ذهبٌ على يمناكَ أينما التفتت عيونكَ، ونورٌ أمامك في الطريق، وفضّةٌ ستسقط فوق رأسك مطراً شافياً أينما وقفت خطاك. هذه ليست الأرضُ التي عهدها قفراً، ولكنها جنّة الكتب التي يدخلها الحائرون حفاةٌ، وعلى وجوههم حيرة، وفي قلوبهم وخزات شك، لكنهم لا يخرجون منها إلا والغنيمة في يديهم أغلى من الكنز. وأنتَ، أيها الواقف في أول الدرب تفتّش عن خطوة الوصول إلى اليقين، لن تجدها إلا في كتابٍ يهزّ الرتابة التي في العقل، ويزلزل الأسس التي جمّدتك أسيراً ومنطوياً في حرير الخوف. اذهب إلى الفلسفة، وأجلس لتلتهم الولائم التي نثرها سقراط مثال غبارٍ نوري وأعمى بها عيون القضاة. خذ من أرسطو ما يجعل المنطقَ نُطقك الداحض، وإذا رأيت ابن رشد تصفح روحه قليلاً لتكتشف انعدام الضد بين الفلسفة والدين. ثم اعرج قليلاً على استرسالات نيتشه ومذهبه المكتوب بلغة شاعرية فذّة، وتفرّج على الهدم الجميل الذي أحدثه ميشيل فوكو في بنية التفكير لنظم المجتمعات المعاصرة. إنها لحظة الحقيقة في مطلق تداعيها، حين تدخل بين الكتب، وتراها تتجلى لكَ بألف وجه. مرةً عندما يصدحُ الشعراء بالحكمة الطائشة ويدونون ومضتها في سطرٍ كأنه سيرة الخلود كله. ومرة حين تجنحُ أقلامهم وتجرح المعاني الراكدة لتعيد للكلمات الحياة. ستسمع بعضهم يتحدث عن امرأةٍ شعرها النهرُ، وهي تعبرُ غابة القصيدة وتختفي في الضباب، ولا يبقى سوى بقايا خطواتها متروكةً على ورق الأرق. وعن طفلةٍ صعدت على حصانٍ ذهبيّ وطارت بخفة الحلم في سرب أساطير زرقاء. وفي الشعر تتقابل الأضدادُ، ويذوب تنافرها تحت لسانك، حين تترنمُ بالكلمة لكنك تبوح بعكس معناها. وحين يسمعك الخائفون تقرأ (الآه) منشداً ومتلذذاً في مدح جرحك. معاً، تعال لندخل في الروايات. نصافح أبطالها الذين انكسرت ظهورهم وهم يصعدون جبل الحب، ولكن لم يصل لقمته أحدٌ بعد. ونقرأ رسائل العاشقات التي تبللت في دموع الانتظار، وسال حبرها الأحمر على رصيف قطار لن يجيء. وفي الرواية، سترى الملاك الأبيض الذي اسمه الخير، يصارعُ الوحش الذي اسمه الشر، ومن دورانهما وتقلّبهما في عراك الأبد، تولدُ الأقدار الغامضة، وتتفرع المصائر في عبث كوني، وكأن البشر قطعان سائبة ترعى في حقول الهلاك، وما منقذ لها سوى قمر العشق، وليته يشرقُ ولو لليلة. Adel.Khouzam@alIttihad.ae