هذه مدينة باهرة في توجهها ومكونها الثقافي، تسعى دائما إلى الإبهار وبجمالية متقنة ونظرة، هذا ما لمسته من خلال أيام الشارقة التراثية، كأن قطعة من القماش أزالت الركام عن مفردات أصيلة من مفردات التراث المشبعة بالقيمة الحقة، ترى الفعاليات بها عقوداً من الزمن والأصالة، ترى فيها وريداً من الشغف والحلم، وأيضا الابتكار، لم يترك جوهر التراث ولا قليل من نسقه بل كانت أياماً وافرة زاهية عبقة في أنفاسها، باتت المدينة تتحدث عن أيام الشارقة التراثي، بل سائر المدن بعيدها وقريبها، كأن سيمفونية خالدة عزفت عزفها احتفاء لم يسبق له مثيل، وتأصيل لم يحدث إلا على طريقة الشارقة المشرقة ثقافياً. أمام صدر البحر يزفها الموج والنسمات تختلق صباحات مفرحة، أمواجها لا تعرف سوى أن تعلو بالثقافة علو راية، وبالتراث منهجية مكتملة النضج، فيها الحلم أمام الأعين المعجبة، تسر الناظر، ويفد إليها من كان بالثقافة متيماً، وتفد لها المدن بحريرها وعجبها، والناس تحيا فيهم عوالم التراث، ويصغي إلى البحر من كان فيه وله، ويستحضر الصحراء من كان بالشعر واللحن المتفرد يشعر. أي الملذات تتصفح كتاب الأيام وفنونها، بدأ بالمسار اليومي بين ممرات من البيوت القديمة، المطلية بالطين والرمل، تفوح منها رائحة الخبز المعجون بنكهة المكان، ورائحة القهوة الممشوقة بالهيل، ولون الحلوى يكتسي بالزعفران، هذا ما صنعته أيادي الأمهات المنسية أمام لهيب النار، هذا ما بدا حين تهيأ الجمع من أسراب الفنون والمهن المختلفة، تشغل ذهنك امرأة في السن طاعنة تبدو على مسرح الزمن مشبعة بالمهن التراثية، جاءت لتبث الروح في حياكة البرقع وأمام فتيات صغيرات، طفولتهن على وجوههن والحياء، يتعلمن منها المهنة وبشغف يظهرن حماس الرغبة. لا يمكن مغادرة الساحة التراثية دون أن تغمرك المنسوجات اليدوية بشيء من التأمل، الذي يعيدك إلى زمن التوهج الحقيقي للحياة حين كان يستخرج الماء من مكونه الأصيل، وحين كنت ترى الحياة عناء وكداً، وصور للحياة لم تكن مخملية ناصعة البياض بل كانت جميلة تزهو بالروح. لم يكن لتغادر هذا الزمن الجميل دون أن تشرع في قطف من العزف زهرة، كانت تبدو الموسيقا غير عادية، تتماهى ما بين الغرب والشرق، وتعزف من كيان التراث لذة لا حدود لها، هي من أصول الفن حيث النبع يموج ما بين شتى البلدان، ها هو التراث والثقافة قيمة من البناء والذاكرة والعمق التاريخي، تجسد ذلك بأيام الشارقة التراثية. Hareb.AlDhaheri@alittihad.ae