صديقي.. هو اليوم لا يتذكر حين أرجعت له السؤال: وأنت ماذا تريد أن تكون في الحياة؟ لم يجبني، وربما قال أريد أن أكون ناجحاً فيها، خاصة أنه وحيد ويتيم، لا شك أنه اليوم أكثر نجاحاً مني بالمقاييس العملية، والوظيفية، لكنني لم أكن بعيداً عما كنت أتمناه في يوم من الأيام. تذكرت الحادثة عندما رأيته فجأة في إحدى المناسبات بأعمارنا الجديدة. زملاء الحي والحارة والحياة، ترى أمنياتهم أين ذهبت؟ كثيرون حققوها وكثيرون غير بعيد عن تلك الأمنيات، وقليلون خانتهم الأقدام، وخذلتهم أجنحة الحياة، لم نلتق كعادة زمان، لكن كل واحد ذهب نحو الطريق التي اختارها. بمقاييس الزمن هم أكثر نجاحاً وتفوقاً، وبمقاييس الحياة ربما كنت أخلصهم للذي كنت أريد، كل واحد منا دفع ضريبة نجاحه، وما كان يريد أن يكون، لكن لو عاد الزمن للوراء هل كان اختار كل واحد منا طريقه دون تلكؤ، ودون الفرح الذي يعيشه أو دون الندم الذي عليه الآن، كثيرون كانوا يريدون أن يكونوا طيارين، قليلون من حققوا تلك الأمنية البعيدة، كثيرون كانوا يريدون أن يصبحوا أطباء، فئة قليلة ظفرت بتلك الأمنية، كثيرون كانوا محتارين، وبقوا هكذا في الحياة اليوم، فهم ما زالوا غير راضين عن خطواتهم ولا ما حققوه في زمنهم، لم يكن هناك واحد يبغي أن يصبح موسيقياً أو فناناً أو كاتباً بيننا، فتلك كانت أمنيات غير مشرّفة في ذلك الزمن الصعب، وقد لا تطعم خبزاً، ولا توفر مالاً، ولا تعطي تلك اللمعة الاجتماعية. اليوم لو تكرر ذلك المشهد في «مكتبة القدس» مع أبناء الزمن الجديد، هل سيتغير الحال، وتختلف الأمنيات وطريقها التي كانت صعبة بالنسبة لنا. إن جل ما أتمناه لأولادي أن يخوضوا تجربة الفلسفة والأسئلة الوجودية والمرهقة، أتمنى أن يكون أحدهم موسيقياً أو فناناً أو كاتباً، لم لا، حتى لو أصبح أحدهم رائد فضاء، فمصيره الأرض، وما تتجشأ به من أسئلة وجودية، وواقع ومجالدة، أما شؤون الحياة والنجاح المادي، فهذا أمر يخصهم، لكنني سأفرح إن نجحوا في الحياة بأسمائهم وفعلهم وبطموحهم الطاغي حد أن يكون أحدهم فيلسوفاً في الحياة، فلكي تفهم الحياة وتعقيداتها الكثيرة والصعبة لا يشترط أن تكون صاحب مال أو مهنة تدر مالاً أو وظيفة اجتماعية يحسدك عليها الناس، فالكثير من الأسئلة لا تجيب عليها نجاحاتك بقدر ما تجيب عليها تلك الكتب التي كانت تباع في تلك المكتبة القديمة في أطراف العين، والتي كانت تباع بثمن بخس لم نكن قادرين أن نوفره بسهولة في ذلك الوقت البعيد والزمن الصعب! amood8@alIttihad.ae