هناك شخص واحد يحق له العبث بالتاريخ، وبعثرة الأرقام وتحطيم الأعراف، وحتى كسر أنوف أكبر الأندية في العالم، هناك لاعب واحد، عندما يرفع قميصه عالياً، فإن على المنافسين الصمت اعترافاً واحتراماً، فليس ذنبك أن يكون جلادك هو الوحيد الذي يمتعك! هو كرة القدم نفسها، يمارسها.. ويسددها بمشاعر ميتة ويحتفل بأهدافها وكأنه يسجل للمرة الأولى، تبحث في ملامحه عن حقيقته.. هل هو لطيف أم عنيف، قوي أم ناعم.. ذكي أم خبيث، فلا تعرف من هو هذا الذي يبكيك ويفرحك في لحظة واحدة، يقتلك ويحييك في دقيقة واحدة! ضربه مارسيلو من دون أن يقصد، فأصبح من بعدها يعيث في أرض الملعب متعة وصدمة وهو يحمل قطعة «الكلينكس» بيده تارة، وفي فمه تارة أخرى، يراوغ ويمرر وينفرد ويُسقط، من دون أن تتأثر ملامحه، وكأنها رياح تمارس الرقص بحجة كرة القدم! ظن زيدان أن كاسيمرو سيفي بالغرض، ليخرجه بعدها خوفاً من نيل بطاقة حمراء، وأصبح راموس هو المراقب، فكان الطرد هو نصيبه! من يريد كبح جماحه عليه أن يوقف أرقامه، ويجمد أفكاره، ويحد من طموحه، ويعرف كيف يعمل عقله، فعندما وضع ميسي المنديل في فمه، أكد من دون أن يدري أن من ينتصر يكف عن الثرثرة أولاً! هناك من يعتقد أن مهارة ميسي هي ما يفعل كل ذلك، وهناك من يظن أنه مجتهد في تدريباته، وهذا سر لياقته وتركيزه، ولكن هناك أمور قد نجهلها في شخصية هذا الرجل الضئيل الذي لا يتجاوز وزنه 72 كيلوجراماً، فمشاعر الحزن لا تكاد أن تتوقف في قلبه لحظة الخسارة.. هو يكرهها لحد المرض، يعيش حالة من الاكتئاب لدرجة أن أطلق لحيته بناء على نصيحة طبيب نفسي، لربما تكون سبباً في تغيير حالته النفسية بعد خسارة نهائي كوبا أميركا! هو ذو شخصية مليئة بالعواطف والبرود.. يستعد للمواقف الصعبة بأسلوب مذهل، لا ينتظر تحفيزاً ولا زيادة في المكافآت ولا تصفيقاً مستمراً، ولا مديحاً في غرفة الملابس، يحفز نفسه ويلهم قلبه لوحده، هو مختلف ليس مهارياً فقط، بل حتى في شخصيته! هو مزيج من الجرأة والخجل، تعتقد أنه بريء فيستفزك فجأة، تسديداته لا تبدو قوية ولكن من الصعب التصدي لها، جسمه ليس صلباً، ولا حتى ذو طول فارع، ولكن حاول لو مرة أن توقعه أرضاً.. تنتهي المباراة ولا تنتهي حيرتنا تجاهه! كلمة أخيرة كفاك عبثاً لهم يا «برغوث».. فقد أرهقت قلوبهم!