لطالما نظرت العقلية الإدارية العربية للأرشيف نظرة سطحية من دون إدراك لأهمية هذا الجانب للعمل على المستويات والمراحل الزمنية كافة. والدليل أن الكثير من المديرين ما أن يغضب على أحد مرؤوسيه إلا وأحاله للعمل في الأرشيف، بينما يحظى الأرشيف بكل الاهتمام والرعاية والتطوير في مناطق أخرى من العالم على اختلاف وتعدد الاختصاصات، لأنه ببساطة ذاكرة المكان والأمة في نطاقه الأشمل والأوسع، بل وأصبح علماً قائماً بحد ذاته يدرس للراغبين في التخصص فيه.
ذات مرة زرت إحدى مكتبات جامعة العاصمة الفنلندية هلسنكي، وشاهدت خزائن تحت الأرض لحفظ الأرشيف والمخطوطات والوثائق الخاصة بالبلاد، قالوا إنها لا تقُدر بثمن. وكيف أصبحت موثقة على إسطوانات ممغنطة لضمان حفظها للتاريخ والأجيال القادمة.

اليوم ومع عصر التحول الإلكتروني ودخول برامج الكمبيوتر لحياتنا ومفاصل العمل، امتدت تلك النظرة التهميشية العربية للأرشيف إلى مدخلي البيانات، وأهمية البيانات، فتجد أنهم الأدنى أجراً وتقديراً، بينما هم المحور الأهم، والركيزة الأساسية للأداء، ومن غيرهم يتعثر.

نلمس كيف تتعرقل معاملة في رحلة «الإنجاز الذكي» لهذا المرفق أو ذاك بسبب بيانات غير مكتملة جراء عدم إدراجها بالطريقة الصحيحة من صاحبها أو من مدخل البيانات المكلف بها. لقد أصبحت البيانات منجم ذهب للكثير من الشركات والجهات، وتحولت لحرب بينها وحتى على مستوى الدول، وتابعنا الأزمات التي ظهرت بين دول كبرى وشركات عملاقة تتعامل مع البيانات مثل «جوجل» وغيرها.
وأصبحت قضية البيانات موضع نقاش في مؤتمرات دولية كمنتدى الأمم المتحدة العالمي الثاني للبيانات الذي استضافته دبي الشهر الماضي، والذي أطلق في ختام أعماله «إعلان دبي» الذي دعا «لزيادة التمويل وحشد الموارد لتلبية احتياجات جمع البيانات للتنفيذ الكامل لأجندة التنمية المستدامة التي اتفق قادة العالم على تحقيق أهدافها بحلول عام 2030».
وغداً تنظم كلية الابتكار التقني في فرع جامعة زايد بدبي المؤتمر الدولي التاسع عشر لأنظمة معلومات هندسة الإنترنت الذي يقام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط لتعزيز تلك الأنظمة في عصر «البيانات الكبيرة» والذكاء الاصطناعي، وهما المجالان المهمان للغاية للاقتصاد العالمي بشكل عام واقتصاد المعرفة بشكل خاص.
ومن هنا علينا إيلاء قطاعي الأرشيف و«البيانات» والعاملين فيهما الاهتمام الذي يستحقانه حتى يكون طريقنا لاقتصاد المعرفة والتحولات الذكية يمضي بخطى ثابتة غير متعثرة.