يأتي إلينا معرض أبوظبي الدولي للكتاب بعد أيام قليلة، ونحن نذهب إليه في كل عام مغمورين بالشغف الكبير الذي يسكن أرواحنا كلما اقترب هذا الموعد البهيّ. نذهب إليه كي ننفض غبار الرتابة، ونتهيأ لاستقبال جديد الكلمة وسحرها الأبيض الناصع. ومن خيمة بسيطة أقيم فيها المعرض في عام 1981 قرب قصر الحصن وحتى الآن، يطوف شريط الذكريات عمراً رفعنا نحو السحاب، ودرباً خضنا في معراجه صغاراً نفتّش عن المعنى والحقيقة، وعن الخيال الذي لا تحد حدوده الأكوان البعيدة. أمسيات شعرية وندوات ومناقشات كثيرة شاركنا بها أو حضرناها على مدى هذه الرحلة الطويلة شكّلت لنا باب الوقوف على منصة الضوء. وأصدقاء وأدباء كُثرٌ، مرّوا من هنا وتركوا بصمة الألق في المكان ولا تزال كلماتهم تصعدُ في وجداننا جرساً سيظل ينبض بروعة هذا المعرض وتحولاته الكبيرة في التعاطي مع الثقافة وجعلها جسراً بين الشعوب. اليوم، بعد أن أصبح معرض أبوظبي الدولي للكتاب منصة تنوير عالمية، نتذكر ونذكّرُ أن قيم التسامح والمحبة التي رسخها الآباء المؤسسون في هذا الوطن العزيز، هي التي رفعت المعرض ليكون أحد أبرز معارض الكتب في العالم. وأن خطاب الاعتدال الذي يسود في الإمارات، هو ما يسمح ويفتح باب الحوار مع الآخر على أسس إنسانية بعيدة عن الإقصاء الفكري أو التعصب في الرأي. ونحن، كأبناء لهذا المعرض، وقد كبرنا ونحن نتشربُ من عسل عطاياه، نسجّل بكل فخر مسيرة هذا الإنجاز الذي لم يكن ليتحقق لولا المناخ الثقافي المنفتح، ولولا المبادرات الحكومية الضخمة التي ترسّخ وتُعلي من قيم القراءة والابتكار، والرغبة الصادقة في المشاركة مع الآخرين للعيش بسلام في هذا العالم. ونحن نُدرك أن الثقافة هي حصننا الأول، وهي الشمس التي تضيء مخاضنا في درب الارتقاء إلى النور. وأن معرض أبوظبي للكتاب هو أحد أكبر هذه البوابات التي ظلت تتفتح على المزيد من التوهّج والإبداع في الاحتفاء بالوعي الإنساني من أجل ردم الهوّة الحضارية بين الشرق والغرب. هذا العام تحل الصين، بما تحمله ثقافتها العريقة من كنوز في الحكمة، ضيفاً عزيزاً على المعرض الذي أراد له المنظمون أن يكون جسر سلام وألفة، ورسالة ضوء تُشرق من أرض الإمارات، وتبث وهجها إلى كل القلوب المحبة للحياة. Adel.Khouzam@alIttihad.ae