بكل تأكيد إن تلك البرامج والمهرجانات والاهتمام الشديد بها من قبل المؤسسات الثقافية في الكثير من مدن الإمارات قد حققت نجاحات كبيرة، وتطور عملها ووضحت مجهوداتها في رعاية التراث ودعمه بقوة، وكان هذا الجانب قائماً على اهتمام الفرق الشعبية الفقيرة، وأخذ يتقلص ويتراجع ويذوب في ظل التحولات والتغيرات الكبيرة في الإمارات، حتى سمعنا الأصوات المهتمة بهذا الشأن تصرخ وتنادي، وفي بعض الأوقات تحذر من فقد التراث وضياعه في ظل الحداثة والتحديث، ولعل الشرارة الأولى التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتوجيهاته بأن يهتم الجميع بالتراث والموروث قد صحح من تلك الصورة والاتجاهات عند وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية والثقافية والتعليمية، والتي أخذت تلتفت إلى التراث والموروث بجدية أكبر وعناية واضحة، وظهر ذلك جلياً، خاصة بعد أن وضح للجميع أن الموضوع ليس أمراً طارئاً، وإنما هدف ومقصد والتزام بأن تكون الرعاية كبيرة ومستمرة، خوفاً على التراث والموروث من هذا الإعصار الكبير، الذي اجتاح منطقة الخليج العربي عندما هبت موجة التحديث والتجديد وهدم كل قديم، والتي يقودها البعض العائد من منهج أن كل قديم عقيم، دائماً الحكمة والرؤيا الثاقبة تسبق اللاهثين خلف الجديد وحده، كانت البدايات اهتماماً بما تركه الآباء والأجداد من سباقات الجمال وسباقات الزوارق، ثم تخصيص قرية لكل موروث في الإمارات، حيث ولدت قرية التراث واهتمت بكل الموروث والتراث من الصحراء إلى البحر والساحل والجبل، وولدت قرية الغوص واهتمت أيضاً بالشأن البحري، وفي بعض المدن تحولت هذه القرى إلى مكان يحتوي كل تراثنا ومظاهر الحياة القديمة في الإمارات، وضمت أيضاً الكثير من التحف والأسلحة القديمة، وخدمت قطاع التعليم في تعريف الأبناء بتاريخ الآباء والأجداد، فكانت المكان الحارس والحافظ للتراث والموروث وكل قديم مهم مارسه أو أنتجه أبناء الإمارات القدامى، ظلت تلك الدعوة والرؤية الثاقبة تكبر عند الأجيال الجديدة من المهتمين بالثقافة والتراث والمعرفة حتى وصل في هذا الوقت أن استلم راية الاهتمام بالثقافة والتراث أبناء أولئك القدامى، الذين رعوا التراث والموروث زمناً طويلاً، هؤلاء الشباب مكسب كبير للمؤسسات التراثية والثقافية، وهذه الرعاية الحكومية مهمة وواعية لدور الثقافة والتراث في الحفاظ على ترابط المجتمع ومعرفة ماضيه التراثي والثقافي، وضرورة أن يسير على أرضية صلبة، عارفاً لتاريخه وتراثه وناظراً بعزم لمستقبله، ولعل فكرة الأكاديمية الخاصة بالتراث، والتي يرعاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هي الرؤية الصحيحة لتخرج عناصر مواطنة شابة تهتم بتاريخها وتراثها، حتى يواكب العمل الأكاديمي طريق البناء والتقدم والحضارة في الإمارات.