البعض يرضى من النجاح بالمحاولة، والبعض يرضى من الغنيمة بالإياب، وحدها الإمارات الرقم الصعب في المحاولة، وكسب النجاح، والرضى من الغنيمة مع الذهاب والإياب. غير أن عشاق الظلام، وخفافيش الجهل، وحدهم من كانوا يرون في الإمارات الفنادق والعمارات، وتلك الأشياء التي يعتقدون أنها تعجب الغريب، ويغارون من النور الذي نتسابق معه، ونسبقه، ويحقدون على النجاح الذي نحصده، ويتبارون في بث العطن من أرواحهم الدخانية، ونحن لا نلتفت، فأمام البصر خطوات آتية، وخطوات حالمة، وخطوات تبشر بالغد، وتمنح التميز، فيكون فوزنا ذاك دائماً، وأبداً لقمة غير سائغة في أفواههم المُرّة! - الشعراء أنواع: هناك شاعر سريع الاشتعال، وشاعر قابل للكسر، وشاعر مفلتر، وشاعر أبو حيلة وفتيلة، وشاعر من حطب وعطب، وشاعر من سيربح المليون، وشاعر أبو ساعة ألماس دقاقة، وشاعر المائدة المستديرة، وشاعر شعاره وأشعاره كله خريط في خريط، ولا قبض الريح، وشاعر من «قوم ترّنا، وين دار الهواء والهوى درّنا»! - هناك شخصيات يمكن أن نسميهم «من دون» أو شخصيات كونية أو «كوزموبوليتانية» لا تستطيع أن تعرفهم من أي بلد، وإن عرفتهم، فلا تحب أن تربطهم ببلد، هكذا هم شخصيات استثنائية، عابرون للقارات، هم متواجدون عبر التاريخ، فالمتنبي هذا الشاعر المنفوخ باللغة الذي جعل الدهر لشعره منشداً، لا تستطيع أن تلصقه ببلد معين، ونحصره بين البصرة والكوفة وبغداد، النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي عاش وأسس وبنى في أربعة بلدان، لا يمكن أن نقول عنه إنه من العراق فقط، أحمد شوقي الذي تقاسمت دمه خمسة بلدان، أمير شعراء العربية التي يجيد نظمها ولا يحسن نطقها، لا يمكن أن نلصقه بمصر أو ببلد واحد، تشعر له هيبة جغرافية ممتدة إلى أكثر من بلد، عبد الباسط عبد الصمد هذا الصوت الإنساني الجميل، لا يمكن أن ترده مع صلاح الدين الأيوبي إلى كردستان، وتحصرهما هناك في تلك الجبال المعممة بالخضرة والأشجار، وهما من طفقا الآفاق، واحد بخيله وسلطانه، وواحد بصوته السماوي، محمد علي الكبير باني النهضة العربية الجديدة، ومنشئ مصر الجديدة، لا يجدر بنا أن نرده إلى ألبانيا البلد الصغير والفقير ونصف الأمي، جمال الدين الأفغاني هذا الذي ذرع الشرق والغرب وخبر السياسة والتاريخ والثقافة واللغات، هل يجدر أن نرجعه إلى جبال قندهار، ونكتفي أو أن شاعر العربية الفحل ابن الرومي يعقل أن يكون من اليونان، وغيرهم الكثير، الكثير، ولأنهم شخصيات تتخطى الحدود، وتصبح من حق الجميع، لذلك نتمنى أن يكونوا دوماً «من دون»!