كلما خف الاحتباس الحراري في المفاوضات السورية - السورية، كلما برز مسمار في اللوح، يجرح ولا يفرح، ويطرح أسئلة المجهول في حل المعضلة السورية. أمس، فاحت رائحة الكيماوي في بلدة «خان شيخون»، ما أدى إلى ارتفاع أصوات الاستنكار والشجب والإدانة، واستحضار المشاعر، من كل صوب وحدب. وكل طرف «يجر النار صوب قرصه» ليدفع عن نفسه تهمة استخدام هذا الشر المستطير، لا أحد يريد حل الأزمة السورية، بل كل الأطراف لها مصلحة، في استمرار حروب الطوائف، وكل ذلك على حساب الشعب السوري، والأرواح البريئة التي تذهب جفاء والكل يتاجر بالدم السوري عبر الفضائيات، والتي وجدت مادة دسمة في الانتشار والحضور الدائم. الكل يزايد على الكل، والكل يقتل بأدواته الخاصة، وعندما تأتي سيرة الكيماوي، تصدح أصوات الأنبياء من حناجر القديسين الذين لبسوا ثياب القداسة، من قعن كهنوت الشعارات التي أكلت قوت الإنسان السوري، وشربت من دمائه، ولا زلنا ننتظر الحل من الروسي والتركي والإيراني. وأخرى عابرة للقارات والخيالات. المعضلة في سوريا هو الكرسي اللعين، ولا شيء غير ذلك، والعرب في غياب العقل والضمير قد يتقاتلون على رئاسة قسم في مؤسسة متواضعة، فكيف بهم بكرسي الرئاسة، وفي دولة تمتلك إمكانيات هائلة لو سمح لها أن تعيش خارج أطر الأحزاب والطوائف. يحتجون على الكيماوي، وكأن الأسلحة الفتاكة الأخرى التي أكلت الأخضر واليابس وهجّرت الملايين، كانت ترسل قبلات المحبة والسلام، وكانت تهدي للسوريين تحيات الصباح. كل ما يجري على الأرض السورية، إجرام بحق هذا الشعب المغلوب على أمره، وبحق تاريخ البلد الذي كان مبعث حضارات وثقافات، والمتصارعون يتقاذفون الاتهامات حول الكيماوي، فآثار سوريا وبنيتها التحتية دمرت عن بكرة أبيها، بأسلحة غير كيماوية. وكل هذا مسموح به من طرف الجميع، لأن هناك أطرافاً مستفيدة من الاستمرار باللعب بالنار، لأنها نار تطهو طعام المصانع العملاقة، وتغذيها بالمال، ولأنها نار يستفيد منها المغرضون والمتربصون، والذين يريدون أن يتحارب السوريون نيابة عنهم لتحقيق أجندات طائفية، وخيالية، عششت في أذهانهم، وأصبحت جزءاً من تاريخ انتماءاتهم إلى هذه الأجندات. الاتهامات لن تجدي والواقع يقول: الاعتراف بالآخر وحقه بالعيش الكريم، من دون إقصاء أو استثناء، هو المبدأ الصحيح، وغير ذلك، فإن داحس سوف تحكي احتفالاتها الدموية المتكررة على أرض العرب. وما يحدث لا يبشر بالخير، لأن اللاشعور الجمعي لم يزل، يغلق أبوابه على الجاهلية الأولى، ولم يزل يبعث بإشارات تؤكد أن ديمقراطية العربي هي إلغاء الآخر، وحريته الانتماء إلى الشيطان إن يوجد غيره.