أظهرت الأزمة المالية العالمية في 2008 أن البنية الصناعية في كثير من الدول، كانت بمثابة طوق النجاة من كساد الأسواق وتقلباتها، مثلما أظهرت حاجة دول الخليج العربي إلى إدارة جديدة للثروات، وتنويع محفظتها الاستثمارية.
أمس، اعتمد المجلس الأعلى للبترول 486 مليار درهم لدعم مشاريع «أدنوك» للنمو والتوسع، إلى جانب استراتيجية شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، وتعد الإمارات أبرز دول المنطقة توسعاً في المشروعات الصناعية الكبرى. ويكفي أن البنك الدولي لاحظ أن «الصناعات التحويلية في الإمارات، تنمو ضعف المعدل العالمي»، ولدينا 44 منطقة متخصصة في المجالات الصناعية والتجارية والخدمية، موزعة على إمارات الدولة، وهي بين منجزة أو تحت الإنشاء، وتتولى أبوظبي قيادة الجهود الرامية إلى زيادة الصادرات، خصوصاً في البتروكيماويات والحديد والإسمنت.
القطاع الصناعي يحتل المرتبة الثانية، بعد النفط والغاز في المساهمة في الاقتصاد الوطني، وفي الملف الذي نشرته «الاتحاد» أمس أكثر من محور للنقاش، حول ما تحتاج إليه صناعاتنا الوطنية في العقد المقبل، لا سيما الموارد البشرية المواطنة التي نجحت طوال العقود الماضية في إدارة موارد النفط، حتى صرنا نمتلك أكبر مجمع صناعي في العالم للبتروكيماويات في الرويس بإمارة أبوظبي.

نحن في عصر الثورة الصناعية الرابعة، واستعدادنا بدأ منذ سنوات. فمعظم قطاعاتنا باتت أكثر اندماجاً بالتكنولوجيا الرقمية، وفتحت سياسة تشجيع الابتكار ورعايته التي تبنتها قيادة الدولة، المجال واسعاً أمام الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وعالم الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وغيرها، ما يجعل تكرار المطالبة بسرعة دخول المؤسسات الأكاديمية هذا المضمار أمراً ضرورياً، لا يمكن تأجيله.

نحتاج إلى كوادر مدربة لإدارة عجلة الصناعة الحديثة، وقد تغيرت كثيراً، وباتت أقل اعتماداً على الموارد المادية، وأكثر ارتباطاً بالقوى البشرية المدربة والمبتكرة، وجامعاتنا مؤهلة لهذا الدور، إذا ما سارعت إلى التكيف مع سوق الوظائف الجديدة، خصوصاً في القطاع الصناعي المحلي، بما أن الإمكانات موجودة، خصوصاً أن الدولة عازمة على أن يبلغ حجم الاستثمارات الصناعية 256 مليار درهم بحلول 2025، على أن ترتفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20% في نهاية العقد المقبل.
الإمارات التي باتت تجذب شركة عالمية، مثل «جنرال إليكتريك» للاستثمار في صناعتها النفطية، كانت الدولة الأولى عالمياً التي تؤسس مجلساً وزارياً للثورة الصناعية الرابعة، وفق سياسات استباقية تستثمر في التعليم والمعرفة والابتكار، ما يجعلنا أكثر استعداداً لاستحقاقات القفزة الصناعية الحالية والمقبلة، ويؤهلنا لنكون مختبراً عالمياً لنماذج تلك الثورة وتطبيقاتها ونجاحاتها.. ونحن جاهزون.