الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أين الإنجاز في إطلاق قمر صناعي؟

أين الإنجاز في إطلاق قمر صناعي؟
5 نوفمبر 2018 01:03

المتابع لوسائل الإعلام الإماراتية خلال الأسبوع الماضي، لا بد وأن يكون قد استرعى انتباهه موضوع «خليفة سات»، أول قمر صناعي تم تطويره بأيدٍ إماراتية، والذي تم إطلاقه بنجاح من قاعدة تانيجاشيما الفضائية في 29 أكتوبر.
ولكن لماذا كل هذه الضجة الإعلامية؟ فالأقمار الصناعية يتم إطلاقها بشكل مستمر، حتى أن 100 منها تقريباً تسبح في مدارها كل عام. وحتى أن «خليفة سات» ليس أول إنجاز فضائي يحمل اسم الإمارات، فهناك 8 أقمار صناعية إماراتية أخرى تدور حالياً حول الأرض.
إن الأمر الاستثنائي في «خليفة سات»، والذي ركزت عليه وسائل الإعلام بصورة خاصة، هو أنه إنجاز تكنولوجي متطور تم وضع مفهومه وتصميمه وبناؤه بالكامل على يد علماء ومهندسين إماراتيين. وهو أيضاً أول قمر صناعي يتم بناؤه في مختبرات مركز محمد بن راشد للفضاء، والذي تم تأسيسه لتمكين الإمارات من احتلال مكانة رائدة في قطاع الفضاء.
والجدير بالثناء حقاً في هذا الخصوص هو تمكّن دولة الإمارات من المنافسة في تكنولوجيا الفضاء على الرغم من حداثة عهدها بذلك، حيث استطاعت أن تفرض نفسها بقوة بين دول متقدمة لها باع طويل في قطاع الفضاء حتى قبل تأسيس دولتنا. ففي عام 1975، أوصلت الولايات المتحدة الأميركية 12 رجلاً إلى سطح القمر وأطلقت في العام نفسه مسبارها الفضائي «فوياجر» إلى المريخ، وأطلق الاتحاد السوفييتي في العام نفسه مسباراً إلى كوكب الزهرة. وفي ذلك العام تحديداً، كانت نسبة البالغين الذين يمتلكون مهارات أساسية في القراءة والكتابة في دولة الإمارات 54% بين الرجال و31% من النساء، علماً أن عدد سكان البلاد كان بالكاد يتجاوز نصف المليون نسمة.
واليوم، تخطت نسبة المتعلمين، بمعناها الحقيقي، من النساء والرجال في الدولة 90% وتنمو بنسبة 21% سنوياً بحسب منصة الإحصاءات العالمية Knoema، حيث يبلغ عدد سكان الإمارات 9,4 مليون نسمة. واستطاعت الدولة أن تحقق لنفسها مكانة متميزة على الساحة الدولية، وكان قطاع التعليم العالي جزءاً أساسياً من هذا النمو الاستثنائي، ويستحق أن يُشار إليه بالبنان فيما يخص «خليفة سات». فإطلاق هذا القمر الصناعي لم يكن مجرد حدث تاريخي في قطاع الفضاء الناشئ بالبلاد، وإنما يشكل أيضاً دليلاً ملموساً على التزام القيادة الإماراتية بالاستثمار في قطاع التعليم.
وتعود قصة «خليفة سات» في بداياتها إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي وضع تعليم شعبه على رأس أولوياته. وقال، طيب الله ثراه، بهذا الخصوص «إن أكبر استثمار للمال هو استثماره في خلق الأجيال من المتعلمين والمثقفين»، وقال أيضاً «إن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وإن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره».
إن رغبة الشيخ زايد بتحسين فرص وصول الشعب الإماراتي إلى التعليم، بصرف النظر عن خلفياتهم، هو أمر لمسته بشكل شخصي، وعلى الرغم من أنه في تلك الفترة كان الحصول على شهادة الثانوية العامة كفيل بالحصول على وظيفة، كان والدي - رحمه الله - مولعاً بالطب وعزم على متابعة حلمه. وبفضل سياسات ورؤية وتوجيهات المغفور له الشيخ زايد، تمكن والدي من تحقيق حلمه، فالتحق بدراسة الطب في جامعة القاهرة عن طريق منحة دراسية وأمضى بقية حياته المهنية في قطاع الخدمات الطبية للقوات المسلحة حتى تقاعده.
وبحكم تجربتي الشخصية والمهنية، أصبحت مؤمناً بضرورة التعلم مدى الحياة، وبقدرة المرء على تلقي العلم في أي مرحلة عمرية. وتحديداً لتعلم تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ليس فقط لكونها السبب وراء إطلاق أقمارنا الصناعية إلى الفضاء، وإنما باعتبارها أيضاً الركائز الأساسية التي تستند إليها دولتنا لبناء مستقبل مستدام. وقبل ثلاث سنوات من هذا الشهر، أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، التزام دولتنا بتعليم هذه التخصصات من خلال اعتماد السياسة العليا لدولة الإمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار. وتضم هذه السياسة 100 مبادرة وطنية تغطي قطاعات التعليم والصحة والطاقة والنقل والفضاء والمياه، مع تبني سياسات وطنية جديدة تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي حيوي لدولة الإمارات، ووضعها في صدارة بلدان العالم على صعيد المهارات المتقدمة.
نحن فخورون بأنفسنا كدولة لإطلاق أول قمر صناعي إماراتي بالكامل، والذي يشكل مرحلة مهمة في مسيرتنا تماماً كما كان الصاروخ «ساتورن 5» مرحلة مهمة في إيصال أول رجل إلى سطح القمر. ويعتبر «خليفة سات» محطة رئيسة أيضاً في مسيرة الإمارات نحو إطلاق مسبار الأمل، المشروع الإماراتي لاستكشاف المريخ في عام 2020 – وهو أول مركبة فضائية عابرة للكواكب في المنطقة وأول مشروع عربي إسلامي لاستكشاف كوكب المريخ. ويمكننا النظر إلى أبعد من ذلك لرؤية دولة الإمارات وهي تؤسس أول مدينة على سطح المريخ خلال النصف الأول من القرن القادم.
ختاماً، لا بد من القول إن دولة الإمارات لا تريد استكشاف الفضاء كغاية بحد ذاتها، وإنما الهدف كان ولا يزال الشعب الإماراتي. فالتزام البلاد الراسخ بالبحث والتطوير سينصب في جوهره دوماً على الإنسان، والتركيز على الفرد بالدرجة الأولى هو التزام تبنته دولة الإمارات منذ بداية تأسيسها، وهو أيضاً استراتيجية أثبتت جدواها مراراً وتكراراً. وقد أثمر هذا الاستثمار اليوم عن العلماء والمهندسين الذين طوروا أول قمر صناعي إماراتي بالكامل، ومن سيسير على خطاهم لإيصال الإنسانية إلى آفاق أبعد في الفضاء. وما سيأتي لاحقاً سيكون بعزيمة شعبنا الذي لا يعرف حدوداً للطموح والإصرار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©