يقول الفيلسوف الألماني فويرباخ: «فما الأخلاق سوى العصا التي نتكئ عليها مع الآخرين لبلوغ السعادة»، الأخلاق مهد القيم التي توصلنا إلى ضفة النهر، هناك ينمو عشب السعادة، هناك ترتع غزلان الحياة، هناك تغفو الحقيقة، حيث لا مآل لما ينغص وما يعبث بأزهار الحلم، وما يخربش في دفتر الوجود. عندما تزهر أغصان الأخلاق في قلب الناس، يصبح الهواء منعشاً ورائحة الأثير تعبق بالشذا. عندما تحضر الأخلاق، تذهب الفردانية إلى الجحيم وتنبت روح الانسجام مع الآخر، ويصبح الوطن أرضاً فيحاء، تطفو على نعيم العلاقة السوية مع الغير، نكون سوياً مثل رموش الجفن، نحمي العين من غبار الحماقة، وسعار الصفاقة، نكون في مملكة الحب الوريد والشريان، ونمنح القلب دفق الأحلام الزاهية، نعطيه طوق النجاة من الحِنث والخبث، نسير إلى الحياة ممتلئين بالزلال، مفعمين بأجمل جلال الفكر، من انغماس في الوجود ونحن مطمئنون آمنون، منذ سدف الشفق، حتى ورس الأصيل، لا نحدب إلا لأجل أن يكون عالمنا في حضن النجود، ونستمرئ معانقة الورود عند شفاه الغيمة الناعسة، ولا يخالجنا ضيم ولا كمد، لأننا في حضرة الأخلاق نكون قد اقتفينا أثر القيم العالية، وحلَّقنا في السماء، لنرى كيف ترسم النجمة وجدها، وكيف تخفق لأجل لقاء حميمي مع السابحات الأخر في سماء الله.
في حضرة الأخلاق نحن طيور، تمرق عبر المسافة ما بين العشق والقصيدة، وما بين الرمق وتغريدة الصباح، مكللين بخلاخيل الفرح، نجدل ضفائر محبتنا، بأناة وتؤدة، وننسج خيوط محبتنا بأنامل التاريخ العريق، لنشوء أخلاق الصحراء البهية، ونمارقها الزهية، وروحها الرضية. في حضرة الأخلاق تنتفي كل الشظايا، واللظى، واللهيب، والسعير، تنمو أجنة الحب، تتسامى والوجود، وتبدو سماء الوطن راحة حسناء مخضبة بحناء الحميمية، مرصعة بنقوش الهوى العذري، وتبدو الابتسامة على الثغور مثل جناح فراشة، اغتسلت بأحلام الورد، وتعطَّرت بالفوح النبيل، وراحت تنشد للأيام قصيدة السرائر النقيّة، وتمضي من غير نكد، متخففة من أعباء الأفكار المسبقة. في حضرة الأخلاق، نخلق من جديد كي ندخل جنة الله، ندخل في أبدية السعادة المرتجاة، نكون في صلب الحياة أفراداً مصطفين، ومن غير لغط ولا شطط.