تختلف الوجوه كاختلاف الليل والنهار، كالفارق بين الزهر والشوك، كالتباين بين البحر والنهر، فلا تجد التوافق بين المتناقضات، مهما فكرت في كسر الحاجز والتدفق نحوها، فهي هكذا متناقضة، شاهقة في اختلاف ألوانها، وكذلك وجوه الناس، فقد يصادفك وجه أشبه بالوردة، له شذا يطوقك ويحتويك، ويملؤك صفاء حتى تظن كأنك ذاهب إلى سماء يقطنها «ملائكة» يحدبون في الحياة من أجل تلوين حياة الناس بالسعادة.
وجوه فيها نقاء النجمة، وعفوية الغيمة، وامتداد الأفق، ورخاء النخلة، وثراء عيون الغزلان، ونداوة المطر، وجوه حالمة بسلام الحياة وابتسامة الفجر، ونصوع أداب الشمس، وينوع وجه اللجين، وجوه تذهب بك إلى الربيع، لتقطف ثمار التين والزيتون، وأطوار العمر الزاهي بأيام الفرح.


وجوه مثل رقصة شرقية على شرف العنق الشفيف، والحدق الرهيف، تمنحك عمراً جديداً، وتشعر وكأنك تطوق جذع الحياة بساعدين من حرير الصباحات الأليفة. وجوه تتمتع بخصال «ملائكية» منيفة، ترتفع بك إلى حيث تكمن الحقيقة، والحقيقة هي أن نبقى من دون رواسب، وقلوبنا مثل أوراق التوت، وأرواحنا أجنحة الطير، وجوه أنعم من زغب القطا، وأنصع من ذهب النحور البضة، وأينع من قدود اليافعات، الباسقات، السامقات، العريقات في خفض الرموش، الناعسات الكواعب.


وجوه تصادفك وكأنها الصواعق، ترهبك وترعبك وتربكك وتسلبك إنسانيتك، وتأخذك إلى عوالم سكانها كائنات شائهة، تائهة في غضون وديان من غير زرع، ناهلة من ملح أجاج، قابضة على الجمر والطين، ساقطة من علو شاهق، حتى السحيق العميق الصفيق.
وجوه تظن أنه جيء بها من سبخة المنافي، وخوافق الضواري، ووحشة الغابات، ونزق الصرصر، وعبث المتلاطمات في العباب الكئيبة. وجوه مستريبة، مهيبة، غضوبة، شحوبة، قتومة عديمة، كأنها قاحلات البراري، كأنها سافلات الصلد المتكور، عند خاصرة الفراغ العبثي.
وجوه تعيد الحياة إلى حالتها البدائية، وتسرد لك جهراً أنها ليست داخل الحياة، وإنما هي تعيش في مكان ما، من جزر لا تؤمها إلا العزلة والنعيق والنقيق.
وجوه في عيونها غبش الليالي المسهدة، والنهارات تحت كسوف الشمس. وجوه تتخيل أنها بلا معنى سوى أن لها عيوناً مثل عيون تماثيل الشمع، هي هكذا زائدة عن الحاجة.