في الأسفار العديدة هناك أشياء جميلة وعفوية وبسيطة لكنها مفرحة، وتجعلك ساعتها بخفة الطائر، وبالمقابل هناك أشياء كثيرة مربكة ومتعبة، وتخطف منك البسمة المسافرة، من بين تلك الأشياء المفرحة، والتي تأتي هكذا أثناء السفر؛
- أن تنهض من فجرك، وتكون تعباً، ويصحبك ذلك الغثيان الذي يأتي عادة من قلة ساعات النوم، والتقلب ليلتها، وقلق أن تفوتك طائرة الصباح، وتذهب متأخراً باتجاه المطار، وحين تصل إلى «كاونتر» الناقل الرسمي، تجد أن تذكرتك تم ترقيتها لدرجة أعلى دون أن تطلب، ودون أن تدري، تماماً كهدية ظلت مخبئة لك، وجاءت في وقتها.
- حينما تدخل بلداً لأول مرة، ولا تعرف لغته، ولا تدري عن أكله، وتتخوف أن تسأل عن تلك الأطباق الملونة، والتي معظمها تشبه الزلال الأخضر، وفيها أشياء تتحرك وأخرى تسبح، وفجأة تبرق عينك على تلك العلامة الحمراء والصفراء التي يزينها حرف «M» على ناصية الشارع، فتفرح لأن عشاء الليلة على الأقل مضمون.
- أن ترتدي جاكيت الجلد الذي كان نائماً في بياته الصيفي شهوراً، وأبصر النور في شهر نوفمبر الأوروبي، وحين تدخل يدك في الجيب الداخلي تجد ربطة دولارات منسية، ولا تذكرها، ساعتها تشعر بدفء مبطن، وفرحة بريئة يكاد أن يشرق بها الطفل الصغير الذي يسكن فيك.
- ليس أطيب من احتضان كاس قهوة بيديك في أشهر الزمهرير، تفرح به حين تدخل ذاك المقهى الذي يخبئ الدفء، تاركاً الشارع يرتجف لوحده، وليس ألذ من كاس تدمع من غبش البرودة في أشهر الصيف، والبحر قبالتك، بعد أن أتعبت قدميك من ممشى النهار بطوله في زيارة للمتحف الوطني الذي لم يرق لأصدقاء السفر، والتوقف طويلاً في المركز الثقافي التابع لبلدية العاصمة لمعرفة فعالياتهم أثناء زيارتك التي تعدها ميمونة.
- أن ترتدي ربطة عنق مجبراً عليها ذاك النهار، ولا تدري متى ستخلعها بانتظار انتهاء الزيارة الرسمية، والتي عادة ما تعوج قليلاً مهما حاولت أن تعتدل في جلستك، ومهما حاولت تثبيتها بين الحين والحين في المرآة كلما سنحت لك فرصة، ثم تنساها كيفما أعوجت حتى تأتي امرأة متبرعة من نفسها، ولا تعرفها، ولا يمكن لأحد أن يشك فيها، هي مثل الفنان حينما يرى لوحة غير مستقرة باعتدال على الجدار، فتعدلها بأطراف أصابعها، تاركة عطراً منها في أنفك.