«تايكي» في الميثولوجيا القديمة هي آلهة الخصب التي كانت تحرس مدينة عمّون، وبيتها هو فيلا صغيرة من الحجر الأردني في وسط مدينة عمّان، تجري فيه أحداث ملتقى للقصة القصيرة، التي تقاوم أمام سيادة فن الرواية، تنظمه أمانة عمّان الكبرى للسنة الخامسة، وتديره الكاتبة الأردنية «بسمه النسور»، التي تشبه تايكي في عطائها وحرصها على اسم عمّان. هكذا ملتقيات هي تعبير بحت عن حب المدن التي تنبع منها، يجتمع أفراد من المجتمع في قلوبهم حب كبير لمدينتهم التي تشبه أرواحهم فيسعون لتخليدها في ذاكرة الآخرين بفعاليات ثقافية مختلفة تهدف إلى القول إننا هنا، وإننا نحتفي بكم، وإن لكلماتكم صدى، وإن مدينتنا ترحب بكم. الأشكال الفنية للتعبير الإنساني، سواء على شكل رواية أو قصة قصيرة أو قصيدة شعرية أو لوحة فنية أو قطعة موسيقية، كلها ماهي إلا وسائل تخليد للحظة الراهنة، ولمسيرة الإنسان في هذه الحياة، حتى في كل مرة تأتي أجيال جديدة تقف بتأمل في لحظة صمت أمام آثار من كانوا هنا ورحلوا؛ يكون الرحيل عبثياً لو لم تترك خلفك أثراً، وكما للأفراد آثار، للمدن أيضاً آثارها، وأثرها الأكثر خلوداً هو ما تتركه في قلوب الآخرين من ذكريات. في الملتقى استمعنا لقصص قصيرة متنوعة، ولتجارب كُتّاب سردوا على مسامعنا مسيرة حياتهم المليئة بالمحطات الإبداعية. تعرفنا على تجارب توقف أصحابها عن الكتابة على مدى عقود طويلة، ثم عادوا. في النهاية كلهم يعودون إلى المحطة الأولى، محطة الكتابة التي كانت دوماً هي الهوية التعريفية الخاصة للكاتب. سيكون مديراً أو مسؤولاً ذا منصب كبير، سيعمل في قطاع البنوك والاقتصاد، ستأخذه السياسة أو الالتزامات العائلية، ستأخذه الحياة في طرق مختلفة، لكنه في النهاية سيعود إلى هويته الحقيقية الأصلية.. هوية الكاتب. وهؤلاء المبتعدون حين يعودون ويحكون عن عودتهم تلمح في عيونهم لمعة الدمع.. إنها فرحة العودة إلى البيت الأول. القصة القصيرة ليست هدفاً بحد ذاتها، لكنها مجرد شكل للتعبير عن الذات وله الحق في التواجد والاستمرار طالما كان لصاحبه هو الشكل الأمثل للتعبير. سنتحول إلى الرواية، وقد يذهب بعضنا إلى الرسم، والموسيقى، وقد نتعب فننقطع، قد نغيب فترات تطول أو تقصر، لكن الأكيد أننا سنظل دوماً على قيد الإبداع، كي نظل على قيد الحياة. وستظل لـ«عمّان» في القلب بصمة لن تزول، فقد أصبح لنا فيها بيت تسكنه المحبة...هو بيت تايكي.