الانتماء الوطني ليست عبارة تطلقها الألسن ويتداولها الناس برغبة في إثبات الذات، الانتماء الوطني منظومة قيم تبدأ في الحرص على أمن المكان ونظافته، ولا تنتهي عند حدٍ، لأن كلمة الانتماء مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بروح الإنسان ومصيره وتاريخه ومستقبله ومعيشته اليومية، وعلاقته بالأرض التي تسير عليها قدماه، والسماء التي تلحف رأسه، فالذين تحرضهم دوافع الفوضى واللامبالاة في احترام الشارع والمدرسة ومكان الوظيفة والبيت، فهؤلاء تملصوا من المسؤولية، وتاهوا في شعاب الأنانية، وضاعوا وضيعوا، وأصبح الانتماء الوطني مثل قصيدة قديمة منسية. عندما تجد شاباً في مقتبل العمر يسحق عجلات سيارته على الإسفلت ويستدير دورات مهلكة، عندما تجد إنساناً يجلس في مكان ما ويفرغ كيس طعامه ويلقي بالبقايا في الشارع، عندما تجد طالباً يدخل المدرسة متأخراً عن اليوم الدراسي ويمر على مدرسيه متبختراً كأنه الطاووس، عندما تجد موظفاً يقضي زمنه الوظيفي في العبث بالهاتف ويترك حاجة الناس متراكمة على مكتبه، عندما تجد مديراً يصادف موظفيه بوجه مكفهر كأنه الغابة المتوحشة، عندما تجد رب أسرة يدخل بيته في ساعات متأخرة من الليل وأطفاله يغطون في السبات دون أن يلمسوا ابتسامته ثم يجلس متأففاً دون أن يلقي نظرة تبشر بعاطفة صادقة لمن انتظرت مجيئه لساعات، عندما تجد ربة منزل لا تعرف عن شؤون منزلها شيئاً إلا المرآة في غرفة النوم، وما تعكسه لها من صور ملونة على محياها الجميل، عندما تجد طبيباً يفكر في هيبته ولا تعنيه مشاعر المرضى، يحدق في الوجوه ساهماً وكأنه أمام لوحة سيريالية، عندما تجد مواطناً تجاوز حدود العلاقة مع الآخر ولا يحترم من يتعامل معهم بحجة أنه مواطن والآخرون من الدرجة الثانية أو الثالثة. عندما تجد كل هذه الحزم القبيحة أمامك، فتأكد أنك أمام خلل اجتماعي لابد من إصلاحه.. في الإمارات الكثير الكثير من هذه الظواهر السلبية تلاشت واختفت إلى الأبد بفضل منظومة القيم التي زرعتها القيادة من خلال الممارسة في نفوس الناس، ولكن لا يعني هذا أننا تخلصنا من كل شيء، فهناك بعض الشواذ الذين ينغصون حياتنا عندما نراهم يكسرون القواعد، ويتجاوزون الثوابت، ويقفزون فوق الحقائق، فيشوهون المشهد الجميل لبلادنا.