هؤلاء الشعراء، بإمكانك أن تراهم كلمة كلمة، وبإمكانك أن تسمع همس نشيدهم لو أصغيت للصمت الذي تركوه أثراً في ذاكرة النسيان. محمود درويش الذي ظل يفرك الساعات في الخندق حتى ابيضّت في يديه جمرة الوقت، محمود الذي خلط الحجارة بالياسمين ورمى شوك السؤال على رؤوس من حملوا البندقية ضد طفولة الورد. بدر شاكر السيّاب الذي، كي يعبر النهر مرة واحدة، كان يجدّف بالسكاكين على مرأى من نخيل تموتُ، وينفخ برئة معطوبة على شراع مثقوب اسمه الأمل. بدر الذي رجّ الكلام وهال دمعاً حين صاح: يا عراق، حتى غصّ النشيدُ بالمطر. أنسي الحاج الذي قال (لن) ودوّن بها وحدها موسوعة العدم. أنسي الذي سرق نعلي الشيطان وعلق شعار الحرية في ذيل حصان يخرجُ من قطيع القافلة. سركون بولص الذي كان يرمي الأحجار إلى سقوف مستحيلة، ولكن حين خارت يداه في ثقل الأقلام، حمل الفوانيس وطاف في ذاكرة الذئاب ليلا كي تشمّه الغزالة، وتُدرك أن في قلبه مرعىً شاسعاً لقفزها. أمل دنقل الذي في يده عشّ عنقاء وفي رأسه سماؤها، كان يخرج من النهر رجلاً من ماء، ويدخل الغرفة رقم 8 رجلاً من ورق. وحين رأى الوردة تذبل قرب سرير موته، مجّد فكرتها في الوداع وتلاشى مثلها في أغنية بيضاء. محمد الثبيتي الذي حمل دلّة التراب وراح يصب للأسرى في الكؤوس، وطناً يُدير الرؤوس، لكنه في غفلة الدوران نسي أن يسقط في حفرة الأمواس، ولم نعرف كيف تقطّعت كلماته وتوالدت من جديد مثل براعم ستظل ترتفع وحلمها النجم. عبّاس بيضون الذي كان يشرب الوقت بجرعات كبيرة ويخرج للبحر على هيئة بندول يتكُّ في ساعة الشك حتى غارت الأجراس من سفر أحزانه للبعيد. قاسم حدّاد المخفور بعشر طفولات وهو يمشي على جسرٍ بين بحرين وتحته النهاية تبدأ، وفوقه القيامة أول الأمل. أحمد راشد ثاني الذي تدحرج يوماً من جبل إلى البحر وظل يداوي ندوبه بتقبيل المرايا. أحمد راشد الذي رآه العميانُ وهو يأكل الشمعة ليضيء أمنياتهم بوعدٍ لا يجيء. وسيف الرحبي الذي ارتفع مثل عصفور وصارت تطارده مديةُ الذبح قرباناً للحُطام. وقلبي، وهو الذي انسلّ من القصيدة ملدوغاً بجنونها، وظل ينزف من نداها لؤلؤاً حتى شعّت أمام عينيّ روعة هذا الطريق. Adel.Khouzam@alIttihad.ae