يتجهم لدى تقليبه المجلة الإدارية؛ الصورة بين يديه تستفزه، صورة نساء يتدربن في اليوم الرياضي، يرتدين الزِّي الرياضي، مع زملاء لهن في مقر العمل. المدير تشاءم «هذا غير لائق» لماذا؟ لأنهن نساء. يستثنونها من حضور الاجتماعات المهمة رغم منصبها المهم، تسألهم لماذا لم يخبرني أحد عن الاجتماع، يجيبونها «المسؤول لا يحب وجود الحريم». تظل «بالإنابة» على مدى سنين، تقوم بمهام المدير ولكن لا يتم تعيينها في المنصب، كلما تساءلت لماذا؟ لا تأتيها الإجابة الصريحة، الإجابة الصريحة أن الإدارة تنتظر ربما مع مرور الوقت يتغير جنسها فتتحول لرجل ويصير بالإمكان عندئذ تعيينها. تحدثه فلا يرد عليها، وإذا رد فباقتضاب وهو ينظر إلى الناحية الأخرى، حين يستفزها الأمر تسأله «ولكن لماذا لا تنظر إليّ وأنا أتحدث إليك؟!» يجيبها وهو ينظر في الأفق البعيد «لأنك حرمة وأنا لا أنظر للحريم»، يستفزها الرد «لكن أنا لست حرمة هنا وأنت لست ذكراً، نحن هنا موظفون وزملاء عمل نتناقش فيما يخص العمل، وعليك أن تتعلم كيف تراني كزميل لك فقط وليس كعورة». هذه نماذج محدودة من مواقف يومية تحصل طوال الوقت في مقار عمل يفترض أنها تعامل الجميع بالتساوي، المسؤول الذي امتعض من صور النساء امتعض لأنهن نساء يمارسن الرياضة دون إحساس بالذنب؛ لأنهن امتلكن جرأة الوجود بحرية وبساطة. وهذا شيء يغيظه، فالمرأة بنظره مخلوق خافت باهت لا يجب أن يكون له وجود ظاهر بصرامة. الموظف الذي يستنكف من التعامل الطبيعي مع زميلته الموظفة ويتحسس من مجرد إبدائها رأيها دون تحفظ هو نفسه الذي إذا رأى أخته في مكان عام يسير في الاتجاه المخالف كي لا يراه أحد من «الربع»، فيظن أن له أختاً وياللعار، وجود الأنثى بحد ذاته يثير فيه التوتر والقلق والاشمئزاز، لا لشيء خاطئ فعلته إلا لأنها وقفت هناك أمامه بكل استقامة دون خوف ودون ارتجاف ودون تردد، لأنها واثقة أنها لم ترتكب ما يجعلها تخاف، وأن كونها أنثى هبة ربانية وليست جريمة عليها أن تقضي حياتها في التكفير عنها. المسؤول الذي يستثني الموظفات من الاجتماعات المهمة، ومن الترقيات هو نفسه الذي يحرص على إصدار تصريح بأهمية دعم المرأة وتمكينها وتقدير مكانتها وإمكانياتها في اليوم العالمي للمرأة وفِي عيد الأم، وحتى في اليوم العالمي للسعادة، تماشياً مع توجيهات وسياسة القيادة الرشيدة. دعم المرأة وتقديرها ليس في التصريحات والكلام المنمق المحسوب الذي يمكن أن يُسجل لك في مسيرتك المهنية، إنما بتقبلها وقبولها وتعزيز فرصها في النمو والتطور والفخر بصوتها إن علا في الحق والخير وما فيه مصلحة عامة. تمكين المرأة ليس بتهميشها وتجاهلها وإخراسها، إنما في تقديمها عليك إن مشيت، ورفعها معك إن عليت. تمكين المرأة لن يكون إلا إذا رأيت فيها نصفك الذي يكملك في كل مجال، والذي من دونه ستظل مجرد نصف ما حييت. الاحتفاء بالمرأة ليس احتفالية سنوية، بل ممارسة يومية؛ وبمكانة النساء في المجتمع تقاس مكانة الدولة بين الأمم.