في الوادي المجلل بالماء، خطوة قرب الحصاة، فتوقف دوران الغيمة، توقف الكون عند الشغاف المبللة، كان المطر مثل الثمرات يسقط فتلتقط الأرض العذوبة، وشيء ما في الجهات الأربع يهدل والأشجار تسدل أوراقاً، جذلى، والسماء تطل بأصابعها الأنيقة، وتمسد الخدود والقدود، وترسم الصورة المثلى لكون يتشكل كأنه الوردة اليافعة، وجوه تزخر بالشفافية، وعيون تلمع بالبريق الرشيق، وشفاه وأجنحة وتغاريد تعزف سيمفونية الأيام الأخيرة لفصل الشتاء، الوادي يمتد من الجبل حتى وريد الأفئدة يرخي لساناً، عذباً، لدناً، بضاً، والأعشاب على الضفاف تتلمظ الريق وتشم رائحة الطين وعطر السالفين وبعض خطوات لم تزل قابعة مثل التاريخ، مثل منحوتات زمنية غابرة. الوادي يسيل في جسد الأرض، كالدم في العروق، تحيا الأنفس وتنتعش الأرواح، تطير بين السحابات وتقول هل من مزيد، فعندما يصحو الوادي بعد يباب، كل شيء يستيقظ، كل شيء يفرك جفنيه وينظر إلى الغيمة، ينظر إلى النجمة المختبئة تحت شرف فضي يلمع مثل قلادة عملاقة، كل شيء يبارك الله والأرض الطيبة والناس الأخيار، كل شيء يلبس السندس والاستبرق، كل شيء يحدق بأناقة النبلاء وببلاغة المطر.. الوادي لا يكف عن السرد لا يخف عن بث الحكاية بغواية النابغين ولا يجف حبره وهو يكتب روايته الطويلة بطول الاشتياق إلى الماء، الوادي مثل الحُلَم ينهل من ذاكرة السماء ويسجل على صفحات الأرض وشاية الغيمة المضاءة بمصابيح البرق تحت رنين أوتار الرعد، الوادي يستلهم من عيون الكاعبات فكرة الجمال وعبرة الخيال الجامح في اجتياز مراحل اليباب، جفافك العاطفي تصحرك وحدتك، عزلة التاريخ، كل هذه تذهب ويأتي الرخاء وتزخر أنت بمشاعر ربما تكون أعظم من سحر الوادي وهالته العظيمة، فأنت المكلل بالأساطير والأحافير يداهمك الوادي بلغة الخرير، ينساب في روحك كخيط الحرير، تنساب أنت مثل القطرات على الأديم، النجوم تحرسك والغيوم ترتل على رأسك آيات الحكمة، شيمة الأتقياء عند الوادي للمطر، تقول ياذا الساكب وعياً في الذاكرة، ياذا الجالب شذرات من الزمان، فالتاريخ مثل الموجة، تتوالى الموجات واحدة تلو الأخرى وأحداثك أنت مرت لكنها لم تطوِ سجلها، لم تلف سجادتها، أنت كما أنت، مثل الوادي، عندما يأتي المطر تصحو من جديد وتفتح الدفاتر وتقرأ من جديد وتقلب الوجوه وجهاً بعد وجه، تحدق وتستدعي ما توارى خلف النافذة وتقرب البعيد، وتقول العين هذا يوم عيد، هذا نهارك فاغتنمه، هذا زمانك فتوكل عليه، ونل قصدك من البلل، وعلل ودلل، واعدل في اقتطاف ثمرات المطر، لعلك تطهر رداءك من دنس الجفاف، لعلك تبحر عبر الوادي إلى زمان الأراجيح والنبق المبلل بالمطر والطين وتسهر على صفير ريح كان لها الصهيل والعويل. Ali.AbuAlReesh@alIttihad.ae