قد تكون القمة العربية الثامنة والعشرون التي عقدت في الأردن أمس إحدى القمم العربية الناجحة من حيث التنظيم ومستوى التمثيل والحضور العربي.. وكذلك من حيث الإنجازات الجانبية للقمة، فكان اللقاء الأهم، على هامش القمة بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد وضع حداً لما كان يحب البعض أن يطلق عليه «الخلاف السعودي المصري» إلا أن الزعيمين الكبيرين ومن خلال لقائهما يوم أمس قلبا تلك الصفحة، وجعلا المتربصين يضربون أخماساً في أسداس، وعادت العلاقات إلى ما كانت عليه وربما تكون أفضل. والإنجاز الجانبي الآخر في هذه القمة هو اجتماع الملك سلمان بن عبدالعزيز برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهو ما يسعد العرب جميعاً ويعطي الأمل لوضع أفضل في المنطقة، وقد كانت كلمة العبادي في القمة مهمة ومبشرة بعودة العراق إلى الحضن العربي من جديد، وبشكل عام فإن الحضور العراقي في هذه القمة كان مختلفاً، وأعتقد أن العرب عليهم أن يقفوا إلى جانب العراق حتى يتمكن من استعادة عافيته والعودة إلى العرب من جديد، وهذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وبلا شك يحتاج إلى دعم واستثمار عربي هناك. لقد سمعنا الكثير من الكلمات خلال جلسة الأعمال الأولى للقمة، وكان الكلام جميلاً والعبارات أنيقة والحديث عن العمل العربي المشترك شائقاً ومثيراً، ولكنه بحاجة إلى شيء واحد وهو التطبيق وتحويل الأقوال إلى أفعال، ولتحقيق ذلك ووضع حلول تاريخية لتحديات متجذرة يعانيها العرب لابد من الاستماع إلى ما قاله الملك عبدالله بن الحسين بكل وضوح في كلمته الافتتاحية إنه: «لا بد من أن نأخذ زمام المبادرة والعمل من خلال التوافق على أهدافنا ومصالحنا الأساسية بدلاً من أن نلتقي كل عام ونكرر مواقف نعلم جيداً أنها لن تترجم سياساتنا، إن تحدياتنا مشتركة فلابد أن تكون حلولنا مشتركة أيضاً».. هذا ما يحتاجه العرب من دون كلام كثير.. فقرارات القمة واضحة ولا تحتاج إلا إلى العمل. من الأمور التي لفتت انتباهي في كلمات أغلب القادة العرب أنهم تكلموا عن الشباب، وتساءلت: ماذا سيقدمون لهم غير الكلام؟ الشباب بحاجة إلى أن يشعروا بأن هناك أملاً في حياتهم ومستقبلهم، وكذلك بحاجة إلى عمل كي يواصلوا به حياتهم، وهذا يحتاج إلى عمل حقيقي من كل دولة، فلا تكفي الشعارات ولا يكفي أن نردد أن أغلبية الشعب العربي من الشباب وهم يستحقون الاهتمام... فهذا جيد لكن.. ماذا بعد هذا؟ الحقيقة التي لا يمكن أن نقفز عنها هي أنه لا يزال أمام العرب طريق طويل وعمل شاق حتى يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم، فمن الواضح أن الأغلبية من الشعب العربي يحبون اللطم والتشاؤم ولا يعرفون غير اليأس ولا يَرَوْن غير الهزيمة والفشل، على الرغم من أن خيوط الأمل واضحة وأسباب النجاح كثيرة وأجنحة التفاؤل ممدودة، لذا على المتفائلين - وإن كانوا هم الأقلية - مسؤولية التمسك بتفاؤلهم ومواصلة العمل لأن المستقبل سيكون جميلاً وقد لا يكون بعيداً. أخيراً.. عندما نقول إن قمة الأردن حققت نجاحات غير مسبوقة، فإننا لا بد أن نشكر الملك عبدالله بن الحسين شخصياً فهو أيقونة النجاح في هذا العمل العربي.. والشكر للأردن حكومةً وشعباً على حسن التنظيم وجميل الاستقبال. alhammadi@alittihad.ae