الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تهديمُ الحُصون

تهديمُ الحُصون
29 مارس 2017 21:30
عندما نتناول الإعلام الجديد فإننا نتموقع في الزمان والمكان ونقارنه بالإعلام التقليدي من منطلق عدد مستخدميه وتأثيراته على الإعلام التقليدي، وفي سياق إعادة توزيع المهام والمضمون، كما حتَمتهما السيرورة التكنولوجية، وبالخصوص في المنتصف الثاني من التسعينات، والتي أشرت على توسع الاستخدام التكنولوجي وعلى أزمة ستشهدها الصحافة الورقية، وعلى انتشار الفضائيات، إضافة إلى استحداث أنماط جديدة من التعامل مع الوسائل التقليدية والجديدة في آن. بعيد انتشار الفضائيات المتنوعة، بفضل النظام الرقمي، أتى تطور المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية التي تتناسل وتتنوع بتضاعف التطبيقات ذات الخدمات المتنوعة، حيث يتبادل القائم بالاتصال والمتلقي الأدوار، فباتت ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وتبادلية وحوارية وتلازمية. ومن ميزات الإعلام الجديد صناعة الرأي العام وبسرعة فائقة، إن على وجاهة وإن على أقل من ذلك، وتطوَرت ثقافة مختلفة سرعة وتنوعاً قد لا يواكبهما المستخدم. المؤكد أن الإعلام الجديد كسر العزلة على الناس في مختلف المجتمعات مما مكَن من توسيع مساحة النفاذ إلى المعلومات من جهة وضخها من جهة أخرى، بقطع النظر عن قيمتها وتأثيراتها، كما بعث حالة كونية من التقارب الإنساني. فقد جعل هذا الإعلام الجديد القضايا ذات بعد كوني، يشارك فيه الكل، ويساهم فيه الجميع بدرجات ومحتويات متفاوتة. سمح هذا التقارب الكوني الإنساني للفرد بالخروج من اهتماماته المحلية ومدَّه بفيض من المعلومات على مدار الساعة، وجعله على صلة بكل ما يجري في الكون في التو واللحظة، مما أسهم في تراكم المعلومات في كل المجالات. في الأثناء أطلق المتخصصون في العلوم الإنسانية صفارة الخطر أمام ما تنشره هذه المواقع من تعميق التسطيح الثقافي لدى عموم الناس، وتهديم للقيم الأصيلة التي تعتبر من صميم بناء المجتمع ونسيجه، فأحيت بقوة مسألة الهوية والانتماء الثقافي في إشارة واضحة إلى تأثير القيم الغربية على القيم المحلية من جهة، وإلى مسألة تشويه هذه القيم من جهة أخرى، وذلك عبر قدرة المنظمات الإرهابية على تطويع الإعلام، والاستفادة من ثورة الاتصالات المتقدمة في تنفيذ عملياتها وأجندتها ومخططاتها الإجرامية، بحكم حضورها الفاعل على الإنترنت وغيره من وسائط المعلوماتية للترويج لأفكارها الهدامة وتجنيد الشباب من كل الفئات والأعمار بين صفوفها تحت عنوان من عناوين الهوية. أين المثقف؟ والسؤال العميق والوجودي: أين موقع المثقف العربي في الإنتاج الإلكتروني الذي لا مفرَ منه للحفاظ على الهوية في ضوء بيئة معولمة من جهة وبيئة اخترقتها الخطابات المتشددة والإرهابية العابرة للقارات من جهة أخرى؟ وهو السَؤال الأهم لأن وسائل الإعلام الجديدة اقتحمت كل البيوت وهدَمت كل الحصون، وأصبح التعامل معها حقيقة قائمة لدى كل الأجيال والفئات ويستحيل إلغاؤها. إن موقع المثقف في الحياة اليومية الواقعية هو الذي يمكن أن يحدد مدى تأثرنا بما يشاع على المواقع الإلكترونية، وبقدر ما ينخرط في المشهد الجديد كفاعل في الإنتاج الثقافي والعلمي بقدر ما يجعل الفرد متشبَعا واقعيا بقيم ثقافية راسخة، يدافع بها عن كينونته ويتفاعل من خلالها مع الاختلافات، وهنا تكمن قيمة الحرية الفكرية التي من نتائجها وضع كل الافتراضات لخطاب الغير. في مجتمعاتنا، يبدو موقع الخطاب الثقافي ضعيفا غير قادر على منازلة ما يتم من إبداع ونشر، فإذا رجعنا إلى مشاركة العرب في الإنتاج الإلكتروني نجده خطاباً ضعيفاً ولا يرتقي إلى مستوى الإشباع والمنافسة.. فهل ستصمد رؤية الهوية الثقافية والقومية التي نستند إليها كرافد من روافد الأمن الثقافي والفكري في ظل العولمة الثقافية وأدواتها ومحدودية إنتاجنا؟ فوضى المواقع الاجتماعية إضافة إلى شبه الغياب للإسهام الثقافي والعلمي من قبل الفئات المثقفة اقتحمت المواقع الاجتماعية الافتراضية حياة الشعوب، وتحولت إلى عادات يومية في ظل ضعف دفاعي، وأصبحت لها أهمية بالغة في نسق الحياة اليومية. وعلى مدى عقد من الزمن، أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي ارتباطاً متزايداً بالحياة اليومية للأفراد، وتفاعلاً بين الحكومات ومواطنيها. وازداد استخدامها في العالم العربي بعد عام 2009 في إطار ما يسمى بالربيع العربي. ويبدو أن الجماهير العربية لا ترفض استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي، بل ترى فيها إيجابيات كبيرة، وفق ما ذهب إليه تقرير وسائل التواصل الاجتماعي لقياس انطباعات وسلوك المستخدمين في العالم العربي، حول وسائل التواصل الاجتماعي. وشملت الدراسة عينة من 7000 شخص يتوزعون على 18 دولة عربية، كما أنها شملت 6 منصات للتواصل الاجتماعي هي: (Facebook، Whatsapp، YouTube، Google+، Twitter وLinkedin) وأوضحت الدراسة أن المستخدم العربي ينظر بإيجابية إلى وسائل التواصل الاجتماعي عموماً، وبأنها تسهم في تحسين نوعية حياة الأفراد، لكنه يظهر في الوقت نفسه تخوفا وعدم ثقة في هذه الوسائل، ويعتقد أنها، على الرغم من فائدتها، تحمل آثاراً سلبية على العادات العربية والثقافة المحلية. وفي مقابل هؤلاء هناك أناس، يحولون هذه الوسائل الإعلامية الجديدة، إلى جسر للتخريب الأخلاقي وإيذاء الناس والتعدي على خصوصياتهم وكراماتهم. الحصانة الثقافية أم ثقافة الحصانة؟ تزداد أهمية مشاركة المثقفين في إثراء المحتوى العربي على الإنترنت، بزيادة الإقبال على تعريب استخدام الإنترنت في مرحلة أولى، فبقدر ثراء الحياة العامة ثقافيا نقيم مشاركة المحتوى العربي على المواقع الإلكترونية. وربما تزداد الحصانة لتصبح بذلك ثقافة الحصانة التي توفر للفرد أدوات الحماية والانتقاء والانتقال من الاختلاف الثقافي إلى ثقافة الاختلاف. وفي عملية التفكير في ردم الهوة بين ما نستقبله وما ننتجه، يواجه المثقفون العرب معادلة المزج بين الانخراط في المنظومة العالمية والحفاظ على الهوية، عن طريق التحصين الثقافي والفكري الداخلي لتحقيق الأمن الثقافي الذي، قد لا يصمد أمام التدفق الهائل لمحتويات متنوعة. ويعني التحصين من الداخل، توفير الثقافة الملائمة لبيئة الناس حتى يتمكنوا من مباشرة واقعهم الافتراضي.. ويتمثل في بناء عناصر القوة الثقافية التي تتجاوز الحماية الذاتية إلى الفعل والتثاقف. ويتطلب ذلك، كما يقول المتخصصون، الاعتزاز بالذات الثقافية الحضارية، لأن الذات الثقافية، بمثابة الإطار، الذي يستوعب كل الآراء ويطوعها، مع ضرورة الاعتزاز بالثقافة الذاتية كعنصر أساسي من عناصر التحصين من الداخل، ولا يتحقق ذلك إلا بتحقيق الذات الثقافية والحضارية، وجعلها حاضرة في الحركة الاجتماعية والثقافية للتفاعل مع الثقافات الأخرى. إن ما يعتقده البعض في أن ثقافة الغير هي الخطر لم يقيّم وضع ثقافته على مستوى الإنتاج والتسويق، ولم يكتبها بلغة بصرية كلغة جديدة، فالمشكلة ليست في الثقافات الأخرى وقدرتها على الوصول إلى المخادع، في كل وقت وفي كل ساعة، بل في توجهنا القائم على خنق الذات الثقافية والتضييق عليها، وغياب قرار الاستثمار الرقمي في مجالاتها المتنوعة. فقد لعبت الثقافة دوراً كبيراً في التواصل الإنساني على مر التاريخ، وابتكر الإنسان في كل مرحلة آليات ثقافية متجددة ومواكبة لعناصر البيئة حقق من خلالها معرفة واسعة بالحياة، وتعزَز هذا الدور من خلال الوسائل الحديثة التي توّجت بثورة الاتصالات والمعلومات، التي جعلت التواصل الإنساني أكثر قدرة على اختراق الحواجز والجسور بين البشر مما أضاف إلى معرفتهم بذواتهم وبغيرهم. إن المضامين الثقافية اليوم باتت رموزاً وأفكاراً تصيغها سيميائية بلغة العصر، وهو ما يمكن العمل عليه كخيار استراتيجي نتمكن من خلاله تحقيق مقولة التحصين من الداخل، وبهذا نعطي للثقافة الذاتية، الأفق الطبيعي للدفاع عن كينونتها الاجتماعية والتاريخية، والانفتاح والحوار مع مختلف أشكال الثقافات المعاصرة، لأن الثقافة عبارة عن عملية مستمرة، لا تتوقف عند حد معين تكتفي بتوفيره، فالتحصين من الدَاخل، لا يعني بأي وجه من الوجوه، الاحتماء بمتاريس الماضي عن الثقافة المعاصرة وآلياتها الإعلامية.. بل يعني الاعتزاز بالذات الحضارية والعمل على تركيزها والترويج لها. ومن الملاحظ أنه بينما تبتكر وسائل الإعلام آلاف الرسائل الإعلانية، التي تقدم تفصيلات المنتج الاستهلاكي في ثوان معدودة، وبشكل جاذب، لم يكن «تسويق المثقف» والمنتج الثقافي بالمستوى ذاته، وهو ما يتطلب النظر لهذا العنصر بعين الاعتبار، لأن المنتج الثقافي يحتاج إلى مستوى من التسويق المماثل أو الأرقى، لضمان ترويجه وانتشاره بشكل فاعل. التربية الإعلامية منذ نهاية ستينات القرن الماضي استشعرت عدة جهات تأثيرات وسائل الإعلام السلبية، وظهر مفهوم التربية الإعلامية إذ ركَز الخبراء على إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع «تربوية ملموسة» كجزء من أساليب التعليم. بحلول السبعينات بدأ النظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام، وأنها «مشروع دفاع» يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل «المزيفة»، «والقيم». في السنوات الأخيرة تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد «مشروع دفاع» فحسب، بل «مشروع تمكين» أيضاً، يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة. تعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) الداعم الأكبر عالمياً للتربية الإعلامية والتي تعتبرها مرحلة جديدة لإعداد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت. وتقر مؤتمرات (اليونسكو) أهمية التربية الإعلامية بعبارة مهمة: «يجب أن نعد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة» تماشيا مع ضرورات الحياة، وجوابا على حاجات الناس في التعليم والإعلام والاندماج في المنظومة الكونية، وذلك بهدف قطع الطريق أمام انتهاكات بعض الجهات والأشخاص الذين يتربصون بالشباب وتعويق أفكارهم أو خطفها من خلال مضامين تسهم في الانحراف السلوكي والفكري. ويحذر خبراء الإعلام من لجوء أولياء الأمور إلى حرمان الأبناء من التعامل مع وسائل الاتصال الجديدة كدرع منيع ضد التشوهات التي قد تنجم عنه.. بل يشجعون على التصفح للحصول على الترفيه والمعلومات والدراسة مع أهمية اتخاذ إجراءات الحماية الفكرية من المخاطر المترتبة عن العالم الافتراضي. من الدفاع إلى التمكين منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي ظهر مفهوم التربية الإعلامية متبنياً مفهوم إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع «تربوية ملموسة» كجزء من أساليب التعليم. بحلول السبعينيات بدأ النظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام، وأنها «مشروع دفاع» يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل «المزيفة». في السنوات الأخيـرة تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد «مشروع دفاع» فحسب، بل «مشروع تمكين» أيضاً، يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة. خنق وغياب إن ما يعتقده بعضهم من أن ثقافة الغير هي الخطر لم يقيّم وضع ثقافته كإنتاج محلي وكتسويق لها، ولم يكتبها بلغة بصرية كلغة جديدة؛ فالمشكلة ليست في الثقافات الأخرى وقدرتها على الوصول إلى المخادع في كل وقت وفي كل ساعة.. بل في توجهنا القائم على خنق الذات الثقافية والتضييق عليها، وغياب قرار الاستثمار الرقمي في مجالاتها المتنوعة. تهديد الكينونة كشفت دراسة علمية حديثة أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدد الكينونة العربية. وشملت 883 شاباً وشابة من مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، وتبين أن 95 في المئة من طلبة المدارس ضمن الفئة العمرية بين 14 و18 عاماً هم مستخدمون نشطون لشبكات التواصل، وأن واحداً من كل اثنين قد واجه على الأقل شكلاً من أشكال التهديد الإلكتروني، بما في ذلك سرقة الهوية والتحرش. وأظهرت الدراسة أن الأطفال يفضلون في أغلب الأحيان التحدث إلى ذويهم أو أصدقائهم حول التعرض للتهديد الإلكتروني. ........................................................... * كلية الإمارات للتكنولوجيا - أبوظبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©