الأفلام الوثائقية لها أهمية كبيرة لحاضر اليوم والمستقبل، هي شهادة حية على الحياة الطبيعية والفطرية للبيئة والناس، هي مرآة لواقع لم تمسه يد التغيير والتبديل في سائر مكوناته أو الظروف التي كان عليها الواقع منذ أزمنة طويلة، بل إن الأفلام الوثائقية تقدم الصور الحقيقية لكفاح الناس، متخطين ظروفهم البيئية والمعاشية. والمشتغلون على الأفلام الوثائقية قلة في الإمارات، ولعل الأديبة والشاعرة السينمائية نجوم الغانم والشاعر خالد البدور هما أهم عنصرين متعاونين ومتكاملين في العمل السينمائي الوثائقي، وقدما أفلاماً عديدة، واستفادا من تجاربهما الطويلة في الاشتغال على التجارب السينمائية، والعمل على تقديم ما يستحق التسجيل والتوثيق في الإمارات، خاصة على الحياة القديمة والفطرية للناس في هذه البيئة، وكان من الضروري تقديمهم بصورتهم الحقيقية والتوثيقية التي سيكون لها أهمية كبيرة في المستقبل للدارسين والباحثين. أتذكر فيلم «عبار» والتسجيل الجميل لحياة البحار والعبار في الخور، وهو بالتأكيد تسجيل لحياة البحر والواقع المعاش في أزمنة رحلت من حياة الناس في خور دبي، هؤلاء الذين كانت لهم أهمية كبيرة قبل أن تدخل الآلة والمحركات الحديثة على السفن والقوارب، كان الفيلم رائعاً في توثيق تلك الحياة القديمة. هذان الزوجان المولعان بالسينما والفن والثقافة، ما زالا يبحثان ويقدمان الأعمال الجميلة، ولعل تخصص الفنانة نجوم الغانم في السينما، وخالد في حبه للتراث والبحث الميداني، ساعدا كثيراً على الاستمرار في التنقيب والبحث عما يستحق التوثيق، على الرغم من التكلفة الباهظة لمثل هذه الأعمال السينمائية والبحثية والتوثيقية، حيث تحتاج إلى الزمن الطويل والتعب الكثير لاقتناص لحظة التصوير والتسجيل، وأيضاً العلاقات الجيدة والتواصل مع الناس، خاصة في الظروف الصعبة وتحولات المناخ والتغيرات اليومية للناس المراد تسجيل حياتهم. إن التوثيق ليس «سيناريو» تكتبه متى تشاء وتقدمه حسب ما تشتهي وترغب، وإنما هو عمل دقيق ومتابعة دقيقة، ثم اشتغال صحيح على صناعة السينما وتحريك الكاميرا، والصدق في نقل الصورة الحقيقية للمكان والبيئة والناس وحياتهم كما هي تماماً، التوثيق ليس فيلماً أو مسلسلاً تليفزيونياً، أنت تحرك النص كما ترغب، وتحرك الممثل حسب الأدوار المرسومة، التوثيق أمانة وصدق وعمل للأجيال القادمة لرؤية الحياة والبيئة على فطرتها. العمل التوثيقي (عسل ومطر وغبار)، كان في غاية الضبط والأمانة والصدق في تقديم حياة الناس والجبل، وما كان يعيش عليه سكان جبال الإمارات في مهنة جمع العسل وتربية النحل، وكانت المرأة هي نجم تلك المهنة القديمة التي لا نعرف نحن على الساحل كم هي مرهقة ومتعبة، وكم هو الجبل مخيف وصعب الصعود، لكن لكل بيئة عملها وناسها، الفيلم كان عملاً جميلاً قدمت فيه كل الخبرات السينمائية.