أحياناً كثيرة أنسى أني كاتبة؛ أني من المفترض أن أكتب القصص والروايات لأن هذا ما أردته حقاً منذ طفولتي.. أنسى ذلك في خضم الأيام المكررة في الوظيفة التي تستهلك طاقتي وجهدي وأيامي؛ الاستيقاظ اليومي الهلع على صوت المنبّه، الصراع اليومي مع اكتئاب الصباح: لا أريد أن أنهض، لا أريد أن أقوم بذات الخطوات كل يوم؛ ثم أقضي الوقت أبحث عن الأشياء؛ المشط، فرشاة البودرة، كريم الشمس، الموبايل، سماعة الهاتف؛ حقيبة اليد؛ الساعة، كل شيء يختفي من أمامي، وكأن حتى الأشياء سئمت استخدامي الرتيب لها كل يوم؛ حتى الأشياء تحتاج أن تختفي أحياناً. أظل أخرج من البيت وأعود كلما تذكرت نسياني شيئاً جديداً. أنسى كل ملفات الروايات التي لم تكتمل؛ أنسى أين حفظتها؛ في أي ملف.. في خضم معمعة الروتين البليد أنسى أني كنت في الليلة السابقة قد بدأت كتابة رواية.. أني منذ عام كنت قد كتبت فصل في رواية.. أنسى أني أمتلك الخيال والمشاعر وأني مليئة بالحب والحياة وأني كنت فرداً حراً له أحلام ومشاعر ولديه موقف من معاناة الإنسان ونجاته وعبوره ونهوضه. أنسى أني إنسان؛ تتخذ ملامحي طابع البلادة ودون أن أنتبه أصبح شبه تلك الزميلة على المكتب المجاور، التي تشبه تلك الزميلة على المكتب المقابل، التي تشبه ذلك الزميل على المكتب المجاور، وهكذا نتحول مع الزمن في ظل تقديس الوجود المادي على جوهر الوجود الفردي إلى نسخ متشابهة بلا أي ملامح خاصة تميزنا ثم شيئاً فشيئاً تسيل الملامح حتى نتشيء فنصير أكثر شبهاً بالكرسي الذي نجلس عليه وننسى أننا كنّا في يوم بشراً؛ فلا شيء يعنينا ولا شعور يغذّينا. أنسى أنني إنسان حر مفكر صاحب موقف وهدف وشخصية حتى تأتيني رسالة مثل هذه:   «أستاذتي مريم الساعدي..  الحمدلله بتوفيق من الله وفضل منه ومن ثم فضل كلماتك قمت بنشر أول كتاب لي  مونولوج فوق مسرح الأيام أول صفحة في كتابي كانت محتوى رسالتك الأولى..  أخبرت الجميع.. الجميع أنك أنت هي من ألهمتني  فكلماتك تلك هي سبب نجاحي...  أتمنى وأتشوق لاطلاعك على كتابي أستاذتي..  وسأكون ممتنة» «صابرة ناصر» كاتبة جديدة تبزغ من عُمان. وكلما بزغت كاتبة جديدة أشرقت الشمس أكثر. النساء واجهة الدول ودلالة حضارتها؛ كلما تحضّرت المرأة وأبدعت في ممارسة وجودها الأمثل، تحضرت الدولة وبزغت بين دول العالم مثل شمس. أما من يحارب وجود النساء؛ من يخجل منه ويخفيه، فما وجوده في كتاب التاريخ إلا كنقطة سوداء تُؤخذ منها العِبر.