الشخص الكوني هو ذلك الإنسان الذي تمدد في الكون، وصار في الوجود منطقة لا تلمسها الخطيئة، هو مثل زهرة اللوتس، تكون في وسط الماء، إلا أن أوراقها لا تبللها قطرات الماء، فتظل هفهافة، نايفة، تطل على العالم باللون والعبق، وهكذا هو الشخص الكوني لا يدنس لأنه ارتقى بأخلاقه، وصفاته صارت فوق النعوت، ولم تهز بنيانه أطراف الريح، ولا تسكنه لواعج الحمى وهستيريا النزلات.
القذارة لا تعلق إلا في المعطف القديم، والإنسان المتجدد هو كائن يخلق في كل يوم، هو إنسان لا يتعلق بالموجود، لأنه موجود خارج الظواهر، وخارج المثيرات، هو هكذا استطاع أن يكون في الكون بلا متعلقات ولا نفايات. الصغار يقلدون، والصغار غارقون في تكسير الأواني، لأنهم يريدون اكتشاف ما بداخل الأشياء، ولكن عندما تكون أنت في الداخل، تكون في صلب الموقف، فإنك لست بحاجة إلى التحطيم، بل إن مهمتك هي تنظيم العالم كما هي ذاتك المنظمة.
الآن نلاحظ ما يحدث في العالم، فأشخاص في حياتنا مهمتهم تحطيم ما حولهم، ودول كذلك، لأنها في الحقيقة وجدت نفسها في وسط لا تنتمي إليه، ولكي تؤكد ذاتها، فإنها تمعن في تدميره، وتسعى دائماً إلى تكسير الأواني في مطبخه، لتحول حياة الناس فيه إلى جحيم. الحروب التي تديرها هذه الدول تحت ذريعة الطائفة أو الاثنية أو اللون، إنها صنيعة ذات غير مكتملة، وذات تعمل على إشاعة الضعف والهوان في الآخر، لتثبت أنها قوية، هذه الدول، وكذلك الأشخاص ينتمون إلى الإنسان البدائي الذي حمل القوس والرمح ليطارد مخلوقات الطبيعة، ليس لإشباع جوع، وإنما لإثبات التفوق على غيره من الكائنات. ويحدث الآن هذا بصور مختلفة من دول ومنظمات وأشخاص، لتحقيق الهدف نفسه، وهو الاندماج في الكون، بصيغة أنا ومن بعدي الطوفان، على خلاف ما يجب أن يكون لدى الإنسان السوي، الإنسان الكوني الذي يبني إدماجه مع الآخر، عبر مد حبل الوصل، مغموساً بشهد الحب. الإنسان الكوني، كائن غير ملتبس، وغير مسكون بالنواقص التي تهيمن على الإنسان المجتزأ روحياً، إنه خرج من شرنقة التطلع المادي، ليقي الفضاء الروحي يتلقفه ويحتويه ويملأه بالطمأنينة، والإنسان المجتزأ مملوء بالريبة والعصاب القهري، وفوبيا الآخر المختلف.