بعد أن فرّقت «حرب الناب» بين قبائل العرب، ومنها تغلب الذين باعدتهم عن إخوتهم من قبيلة بكر بن وائل، وجد امرؤ القيس بن النعمان الفرصة ملائمة للإغارة على جيرانه من بني بكر بن وائل، فنال من الغنائم والأسرى الكثير، وكان بين من سبى ماوية بنت عوف بنت جشم النمري الملقبة بـ «ماء السماء» لفرط جمالها. وكانت متزوجة من ابن عمها أبي حوط الحارث، إلا أن إعجاب امرئ القيس بها جعله يستحوذ عليها فاستحلها لنفسه حتى دخل بينهما الهوى فتبادلاه، ثم جاء زوجها ليستردها، وكان امرؤ القيس قد جمع الأسرى في حظائر ليحرقهم، فنشد الزوج امرئ القيس عن حرمته، فرد عليه: انهي جداها وانشدها، فإنْ اختارتك فهي لك! وكان واثقاً من أنها تحبه ولن تختار رجلها عليه. سار الزوج صوب حرمته وخبرها بالسالفة، فقالت له: ما طالبته اللي بيعطيك إياه فإني أعرف وجده بي، وشدة حبه لي. رُدْ عليه وقل له: إنها اختارت أطيبنا مرقاً، وأعطرنا عرقاً، (وهذيك الحزة) اطلب منه ما شئت وأبشر، فإنك تحصل عليه. عاد الزوج إلى امرئ القيس وقال له ما قالته له ماوية، فأعجبه القول وقال له: «اللي بتطلبه اليوم بتحصله... اطلب وتخير». فطلب منه أن يحرر أسرى قومه، فأخرجهم من الحظائر وانصرف بهم إلى سبيله. وتذكر كتب التاريخ نساء عرفن بالفراسة قبل الجمال، وإنْ طغى جمالهن وجلالهن على كل شيء. بعد أن قرأت هذه السالفة التي لها جذور في الجاهلية، اختليت إلى برنامج تبثه قناة الصين العربية، وكان بعنوان «سقف السماء»، بالإضافة إلى العنوان الجاذب، تجسدت في هذا البرنامج إنسانية تجتمع وتسعى لبقائها جميع شعوب العالم. رق قلبي لتلك المشاهد والمرويات التي تعكس فلسفة أهالي تلك الجبال والهضاب البعيدة عن «الحشرة واللغو» وقريبة من الآدمية والسلام والأمن والأمان. وبقيت أشاهد تلفزيون الصين إلى أن عُرِضَ برنامجٌ آخر بعنوان «المرأة تُصمِدُ نصف السماء»، وهي من مقولات الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وتحث صاحبة مشروع «نصف السماء» على العناية باليتامى والمهجورين من لمسات الإنسانية، والذين فقدوا ثقتهم في العالم والآخر.. كان برنامجاً في قمة العطاء ومنتهاه، فقلت في خاطري: «مال السماء اليوم... إنها تُمطر حباً وجمالاً، وفي الإمارات تُمطر سعادة!». للعارفين أقول: الفضول نعمة، وله الفضل في حثي للبحث عن السماء وتواليها، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الفضول يحفز مخ الإنسان فيجعله مستقبلاً، متذكراً لجميع تفاصيل الأمور التي تثير فضوله والتي لا تُثيره، فقد رصد الباحثون نشاطاً ملحوظاً في مناطق المكافأة في مخ الإنسان الذي تتحسن لدية قوة الذاكرة وسرعة التذكر. لعلَّ ذلك يدفع المسؤولين عن مناهج التدريس، فيعدلونها لتصبح محفزة للقراءة والفضول والإبداع والابتكار، وتحقيق آمال المستقبل.