لا تمل جلسات المقاهي في المدن التي يعشقها الإنسان، فهي إما فاتحة اليوم، وإما خاتمته، لبعضها روائح من القهوة المغلية تناديك من بعيد، بعضها خليط من الدخان وتعب العاملين، بعضها له رائحة البحر، وغبار الزمن، وللآخر منها رائحة البرودة، وترقب المطر، وتحفّز النفس للانتظار.
في مدينة العين، حيث اشتد العود، لم تكن هناك مقاهٍ كثيرة فيها، أول مقهى وعيت عليه كان «قهوة صبّوح الدوفه» الشعبية، وكان الرجال لا يحبذون الجلوس فيها، هي للغرباء كانت أكثر، ولبعض الشباب ممن عرفوا العمل في جبل الظنة وداس، واختلطوا بالأجانب في شركات حفر النفط أو عملوا ضمن «كشافة ساحل عُمان» في مدن حيّة مثل الشارقة، بعدها ظهرت مقاهٍ ومطاعم صغيرة أسسها عدد من العدنيين العاملين في الجيش البريطاني والمهاجرين، وبعض الهنود المغامرين، وبعض من الصوماليين المستقرين، وعرفت تجمعاً لهذه الجاليات، وكانت بسيطة جداً، لكن حينما عرفت المدن، عرفت الكثير من المقاهي في مدن حول العالم، مقاهٍ عربية، ومقاهٍ أوروبية، حيث ينتشر هذا التقليد.
وبدأت عندما زرت الأردن وسوريا في أولى خطوات السفر، فإلى جانب مقهى الروضة في دمشق الذي تحدثنا عنه أمس، هناك مقهى قديم اسمه «النوفرة» الذي أسس قبل 500 سنة، وهناك مقهى «الهافانا»، وكان يرتاده السياسيون من ذوي الاتجاه الماركسي، ومقهى «الحجاز»، وفي عمّان، عرفت مقهى «السنترال»، ومقهى «عرار»، وفي بيروت كان للمقاهي عطر مختلف فعرفت «المودكا»، و«الإكسبرس»، و«ويمبي»، ومقهى «الغراند كافيه» حديثاً، في القاهرة المليئة بالمقاهي، يمكن للإنسان أن يتوقف عند المقاهي المخصصة لمهن معينة، مثل قهوة «بعرة»، حيث يمكن أن تلتقي بكل «كومبارس» السينما العربية، مقهى «عبدالله»، ومقهى «ريش»، والمجاور له مقهى «زهرة البستان» الذي يحتفي بالكتّاب والأدباء عن بُعد، حيث لافتته تشير إلى ذلك، ومقهى «الفيشاوي»، أما في المغرب فتتنوع المقاهي وتتعدد حسب مدنه المختلفة والساحرة، ففي الدار البيضاء ستجد هناك مقهى «صومعة حسان»، ومقهى «باريس»، حيث ستجد اسم باريس لمقاهٍ عدة في طنجة والرباط التي فيها مقهى «الأوداية»، ومقهى «لا كوميدي»، ومقهى «باليما»، وفي تونس تتنوع المقاهي كذلك، ولكل واحد منها رونقه، ففي العاصمة هناك مقهى «الشواشين» ومقهى «المرابط»، وفي مدينة سيدي بوسعيد الخلابة، هناك مقهى «العالية»، ومقهى «سيدي شبعان»، وفي بغداد هناك مقهى «الزهاوي»، ومقهى «أم كلثوم»، ومقهى «الشاهبندر»، ومقهى «حسن عجمي» ومقهى «البرازيلية».
كانت أماكن جميلة ودافئة، وصاخبة، وحيّة بالناس، سعيد من عرفت خطاه الوصول إليها، حيث يلقي تعبه هناك.. ويستريح.