لملم ما تناثر من حروفك واستعدها، هذا وإلا مصيرك للكدر. الألفُ التي استقامت طويلاً في الإباء، كيف تركتها تنحني في سهوة العمى. والباءُ وهي نصفُ بابك، كيف نسيتها في فم البؤس وصددت بوجهك عن بحرها وبراريها. لن تغفر لك الأقلام حتى لو كسرتها، ولن يسعفك أن تمحو آثار خذلانك للّسان. هذا لأنك ظننت الجيم جمراً وهي في الأصل أول الجنّة. وكنت ترى التاءَ مجرد بقايا من تراب، لكنك، لو مسحت غبارها قليلاً، ستجرّك للترف، وتهيلُ عليك التحايا وتغطيك بالتحنان. وأنتَ، لو آمنت بالثاء لن تدخل في المثنى، ولن تتغلغل الآه بين ثناياك. خذ الخاءَ وخُضّها لتخرج من خرائب ما لا تشتهيه. وخذ الحاءَ وخُصّها بالباء لترقد مطمئناً وحراً في حرير. الدالُ دلوكَ، فاغرف بها ما تشاءُ من دنيا الزال. أما الذال ففي خسرانها ذِلّك، وإن سقطت من يديك ذهب ماءُ وجهك، وذمّك الأعداءُ وتركوك متذمراً ونالوا من صواب رأيك. ولكن لا تخف، ارفع الراء رمزاً لحريتك الآتية. وانفخ على حرف الزين لتطرد الزبد الذي تراكم على شفتيك وأنت سجينُ السِين في السكّين، طريحُ الشِين في فراش الشكّ. صامتٌ لأنهم قالوا صهٍ صهٍ حتى غصصت بالصاء. وضامرٌ لأن في الضاد ضدّك. طر بالطاء ولا تعد، فكلهم مسحوا الظاء ولا أحد في انتظارك. وإذا رأيت من تهوى، أغمض العين لأن الغين غبار غريمك، وأنتَ في عُرف الندى دربٌ للهوى، ولا يحدّ مجراك اتحاد القاف والفاء. كفاك اتكاءً على الكاف تظنّها العكّاز وهي صغيرة بالكاد تجلسُ في الأكف. وكفاك ملامة للّامِ لأنها تسكنُ الآلام. ميمُ المحبة ملاذك من نون النار فتعال معي، نرمي هذه النون نرداً ونعلن: أن الهاء بلهاء ما لم يغطينا هلالها. وأن الواو نبحٌ وعواء إذا انتصفت في وحمة الجوع. هكذا ننجو من هلاك الطريق، حين لا يبقى في يدنا سوى الياء، نناديها وننادي بها: يا التي يمّم البحرُ يده بالماء وصلى باسم حروفها، ورفع بالموج كفّيه، ومد لسان زرقته ليكتب اسمها حرفاً بعد حرف. ونحن لا نملك إلا أن نفتّش في البياض عن المعاني التي انزلقت من قارب النجاة، المعاني التي تصحّرت وتبخّرت ولم يبق من ظلالها سوى الصمت الذي يُشبه الكلمات ولكن لا يرى وجهه أحد.