رياضة العربي غائبة إلى أن تفرضها الظروف، والعربي الرياضي غائب إلى أن تستدعيه المعضلات، وينتبه لنفسه، ويدرك أنه خلال سنوات طوال، وبرنامجه لم يتغير بكسله، وأنه لم يجد وقت فراغ ليمارس الرياضة، باعتبارها من الكماليات، لا الضروريات، وأنه يظل يعبّ من الأكل، ويخالطه بالمشروبات حتى تدمع عيناه، ثم يقعد جنب الصينية التي أحالها لطبق نظيف لا يحتاج لغسل - صحّت يداه، ولا فتّ الله من عضده - ثم يغفو تلك الغفوة التي تثقل الجفنين، وحين يصحو قبل المغرب بقليل، تجد مزاجه متعكراً، وغضب الدنيا في وجهه، ومستعد أن يتعارك مع ذباب وجهه، فلا قادر على تحمل دلع زوجته، ولا صراخ أولاده، والويل لو يعترض طريقه في تلك الساعة واحد يريد ديناً أو سلفة، ساعتها سيفتك به فتكة أسد جائع، وحتى يعتدل مزاج صاحبنا عليه أن يشرب أكثر من فنجان قهوة، مع تدخين أعواد متتالية من علبة السجائر، ولا بأس إن كان هناك حلو أو فواكه في الثلاجة قبل أن تعطب، ولأنه كثّر من الأكل في الغداء، فسيكتفي بكم «سندويتش» شاورما أو قطع بيتزا أو معجنات يعتقدها خفيفة. وبعد كل هذا اللهاث «الماراثوني» يريد أن يذهب لسريره مبكراً، يستدعي الأحلام، فلا تجيء إلا الكوابيس والجواثيم، يظل يتعارك مع مخدته وزوجته، ولا تغفو عيناه إلا قبل الفجر بدقائق، كلها ساعتان وسينهض إلى عمله، لكنه ذهاب قسري خوفاً من دفتر الحضور، يجلس في مكتبه وجسده منهك، ومزاجه ثقيل، وحركته كسلى، والنوم يغشى جفونه، فلا يستطيع أن يستقبل مراجعاً، ولا ينجز عملاً، وهكذا تدور الساعات والأيام وصاحبنا على برنامجه اليومي نفسه، حتى ينتفخ الجسد ويترهل بالشحوم، ويكبس على الأعضاء، ويبدأ إيقاع الجسم بالتغير ومفاصله بالشكوى، حينها يقرر أن يغير إيقاع حياته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فيجدّ في شراء الملابس الرياضية، ممارساً الرياضة بطريقته الخاصة، ويتحمس لرفع 40 بدلاً من 20 كيلوغراماً، حتى تتمزق إحدى عضلاته، وبدلاً من الضغط عشرين مرة، وبالتدريج، تجده يضرب في العلالي حتى تتخلخل مفاصله، تجده يسجل في أفخر أندية الفنادق، وكأنها الرياضة لا تجوز إلا بخمس نجوم، يظل ينهك جسده، وكأنه يريد أن يعوض ما فاته، ويضغط على نفسه ووقته حتى يصيبه الملل، ويقلع عن الرياضة، ويخفت حماسه الأوليّ، ثم ينقطع عنها كلياً، إذا ما شفي من مرضه أو أنقص من وزنه، وسراعاً يعود لسيرته غير الرياضية، مشتكياً من قلة وقت الفراغ! amood8@alIttihad.ae