يوم السعادة، يوم فيه تهبط النجوم كي تضيء الأرض، ويمنح البحر ذراعاً لقوارب الحياة كي تعبر بلا كلف ولا أسف، وتنشق الأرض عن بوح في الباطن يخاطب الناس جميعاً قائلاً هذا يومكم، هذا زمنكم، اللحظة هي الزمان والمكان، فنظفوا بيوتكم من أنفاس التأفف، ولا تلتفتوا كثيراً إلى الوراء، فالماضي ليس إلا عمراً زائلاً، والزائل نفاية مكانها مكبات التاريخ. في يوم السعادة، تطلق الطيور أجنحة الفرح، عابرة ظهر الموجة باتجاه المهج، ذاهبة إلى هناك، حيث الشوق والتوق إلى حياة جديدة بلا تعهد ولا تنهيدة، بل إن الأحداق ترنو لأفق ملون بالنصوص والنيوع والينوع، هناك حيث تكمن الحقيقة، يا ابن آدم فأنت في الكوكب على ظهر المركب، فاتبع سبيلك ولا تخنع لليأس، لأنك الحقيقة كما قال بروتاغوراس، وأنك أنت الفرد الفريد، فاصنع حاضرك ولا تمضغ حثالة ماضيك، الذين يجترون مضغات الماضي، هم الذين ينامون على حصير التوجس، ويطرحون ولا يجمعون، فخذ بيدك وانهض إلى حيث يسفر الوجود عن شمس أوضح من عين غزالة، أوسع من البحار والأنهار، أزهى من المحيط، انهض أيها الإنسان، فالسعادة مصيرك ولا مصير غيرها، ما دمت متحرراً من تورمك وتضخمك وأنانيتك، فاعلم أن سر التعاسة يكمن في الانزواء خلف ما يعرش من أنانية، وما تخبئه أنت في باطنك جراء زيفك وأقنعتك، فكن أنت ولا غيرك، ستكون السعادة إلهك ومعبودك، ستكون أنت القابس في دياجير الآخر، ستكون أنت النابس في صمت الجدران العالية، ستكون أنت النخلة بوادٍ زرعته هذه الابتسامة الشفيفة، وهذا الثغر المورد بكلمة طيبة تزهو بحروف الضاد، وتزخر بالمعنى والدلالة. يوم السعادة العالمي، يوم ترتفع فيه الأجنحة عالياً، والأحداق مثل فوانيس تسير باتجاه لمضة الحياة، في هذا اليوم وفي كل يوم نحن أمام امتحان أن نكون أو لا نكون، ومن لا يمتهن السعادة وجوداً، فإنه كائن ذاهب إلى زوال، بل وكائن يعيش موتاً سريرياً، لأن في الحياة تنمو أعشاب الروح وتخضر الأرض، وتصحو الأشواق كأنها القصائد ساعة الإلهام، هنا أنت وأنا وهم جميعاً في منزلة سقراط الذي مات من أجل السعادة بلا رتوش ولا خدوش، سقراط الذي أعطى روحه للآخرين ليذهب شهيداً من أجل معرفة أنه بالحب يحيا وليس غير ذلك، في يوم السعادة العالمي يغدو الطفل كبيراً بمشاعره ويصير الكهل طفلاً بعفويته، وتصبح المرأة محيطاً، زعانف أسماكه ملونة بالفرح، في يوم السعادة العالمي القلوب صفحات بيضاء من غير سوء، والعقول أنهار تمتلئ بالعذوبة، والحياة سبورة عملاقة يكتب الأبناء عليها كلمة أحبك يا أمي، أحبك يا أبي، وتكتب الزوجة أحبك يا زوجي، ويكتب الزوج أحبك يا زوجتي، ويكتب الجميع أحبك يا وطني.