هل يتساوى ذاك الصديق الأغبر الذي لعب معك في سكيك الحارة، وركضتما سوياً حفاة مرة، ومرة تحت المطر عراة، يوصل لبيتكم ما ترسله أمه لكم لتتطاعموا من غدائها، فتنقص «المقفلة» لقمة هَفّها على عجل، وكذلك تفعل أنت رداً عليه، كيلاً بكيل، دربحتما «الطواق» معاً، وترادفتما على الدراجة الهوائية معاً، وسرقتما من «الهمباه» معاً، وتلصصتما بعدما كبرتما قليلاً سوية على من كانت تنضح الماء عليها في «زويتها»، وهربتما بضحكتكما، كنت تدافع عنه، ولو كان مخطئاً، وكان هو يأخذ بثأرك ممن ضربك، تقاتلان معاً ضد الآخر، ولكنكما تتعاركان مع بعضكما البعض حين تقفلان عائدين إلى البيت، تتستر عليه إن فعل شيئاً يغيض الأهل، وربما تتحملان العقاب سوية من أبيك أو أبيه، لا فرق، وحين تَصرّ لك أمك شيئاً من طعام أو عملة معدنية، لا تنساه إن كان واقفاً ينتظرك عند الباب، وأمه لا تنساك إن كان هناك خير، فهو لك وله، درجتما نحو العمر والبلوغ معاً، لا تفترقان، وإن زعل أحد من الآخر، تظلان تختلقان الأعذار، وتأتيان بالحركات المضحكة لكي يبتسم، ويبتسم الآخر، وتبدآن بالكلام من نهاية الجملة، وتنسيان الزعل، والتخاصم بفرك أصبع الخنصر، هل يتساوى ذاك الصديق؟ وإن تغير الآن، وسارت به الحياة في منعرجاتها، وتكادان لا تلتقيان إلا في عرس أو عزاء، وربما لا يعرف أولاده أولادك، وربما إن اجتمعتما لا يدور حديثكما إلا عن فترات الطفولة المنقطعة، ولا حديث عن العشرين سنة التي مضت، والتي شهدت أحداثاً كثيرة، ليس فيها حدث يضمك مع صديقك القديم، هل يتساوى صديقك أبو الوجه الأغبر مع أصدقاء الوقت، أصدقاء «الفيس بوك» و«التويتر» والرسائل الإلكترونية، من ذوي الوجوه «الديجيتال»؟ تلك الوجوه الرقمية، بالتأكيد لن تفزع لجار، ولن تأخذها النخوة إن سمعوا ناقع الصائح، ولن تظل تبكي العجوز التي احترق بيتها، ولن تجدها حين تكون هناك دمعة على عتبة الدار أو ثمة ضحكة تخبئها لتشارك بها صديقاً داخل الدار، بالكاد يعرفون باب بيتك، ونادراً ما يقرعونه طلباً للسلام والاطمئنان، وقولة مرحبا، هم وجوه في الظلمة تلمع وتلتمع فقط. غاب الصديق ذو الوجه الأغبر، وحضر صديق بوجهه «الديجيتال»، غير أن العناق مستحيل، ورؤية الدمعة الخارجة بفرحها أو حزنها غير ممكن، حتى تاريخ ميلادك يذكرّهم به جهازهم الذي يضم أصدقاء كثراً، أنت بينهم رقم، خانة، لا يحنون لصورتك، ولا يعرفون تفاصيل وجهك، لكنهم قد يعرفون كم «بيكسيل» هي أجزاء صورتك في جهازهم، هم أصدقاء كثر.. كثر، لكن وجوههم «ديجيتال»، ولا تشعر أنك تريد يوماً أن «توايههم» بالخشم!