عندما تشاهد طفلاً، مزدهراً بالابتسامة، فاعلم أنه مطوق بقلادة أبوين، معدنها من عقيق وزمرد، عندما تقابل طفلاً لا يكف عن السؤال المهذب، ولا تجف الكلمات على شفتيه من ماء التفاؤل، فاعلم أنه خرج من منزل ينعم بالدفء والحنان وحسن التربية، فالأطفال هم عنوان عريض، يعبر عن سلوك الوالدين، فإن كان هؤلاء الأطفال أسوياء، فثق أن لديهم أولياء أمور، لا ينطقون بكلمة بذيئة ولا تشوح أيديهم باللاءات الكريهة، ولا يسيئون التعامل، ما بينهم ولا مع الصغار. عندما ترى طفلاً يقضم أظافره، أو يتأتَّأ أو يركل الأرض، فتأكد أن هذا السلوك ناتج عن رد فعل سيئ في البيت، وتأكد أن تصرفات الطفل الشاذة، هي انعكاس كما يراه ويحسه في البيت من أخلاق لا تمت بصلة للقيم الإنسانية. فعندما يلمس الطفل الطلاق العاطفي بين الوالدين، وعندما يرى «بوز» الأم ممطوطاً بمدى شبرين، ويرى جبين الأب منعقدا مثل تجاويف تربة يباب، كل هذا يقود الطفل إلى الأسئلة الساخنة. لماذا هما هكذا؟. وعندما لا يجد الإجابة فإنه يخرج من البيت متذمراً، برماً، يائساً عابساً منكسراً، منكساً رأسه في التراب وكأنه يبحث عن إجابة ضائعة في مجهول الأسرة، هذا الطفل لا ننتظر منه النجاح في الحياة، ولا الفلاح في علاقاته مع الآخر، لأنه فاقد الثقة بمن حوله، وفاقد الشيء لا يعطيه، فاقد الحب لا يستطيع أن يحب، وفاقد النجاح لا يستطيع أن يثق بقدراته وبالتالي ينكفئ طموحه، ويعيش أبد الدهر، بين حفر البؤس واليأس، وضعف البأس. الطفل الذي يعيش في هكذا محيط، يصبح مثل شجرة غرست على ظهر كثيب لم تشرب قطرة ماء وبالتالي تعجف، ولا تطرف بورقة خضراء حيَّة، الطفل الذي يعيش وجداناً خاوياً، يهيم في وديان الحياة مثل كائن فقد سربه، فلا له مقر ولا مستقر، وهكذا فإن تمكين الأسرة وتشذيب أغصانها، وتهذيب مشاعرها وترتيب علاقاتها هي القوة الفاعلة في بناء أسرة متماسكة، وناجحة في تربية الأبناء.