من يمتهنون السفر تضيق بهم مرات المدن، ويظلون يبحثون عن أرض بكر أو زاوية بعيدة عن نظر العالم، لكن مشكلتهم كيف يقنعون أصدقاءهم في الذهاب معهم لتلك الأقاصي، فتجدهم يضعون شروطاً أولية عليك للموافقة، والتي تزيد حينما لا تعجبهم خدمات تلك البقعة، فأول هذه الشروط: «أسمع ناصر.. ركوب الباصات من الصبح، وخضّ كبودنا على الريق، والله مب مكلفين، نصفّ في الطوابير مثل السياح ما نريد، زيارة المتحف الوطني مب ملزومين، أغبشّله بروحك، ترانا سايرين ننبسط مب نشقى!»! المهم مرة.. أقنعتهم بزيارة بلد من بلدان «ستان»، ومدحت لهم مدناً تاريخية، وأثرها في الحضارة الإسلامية، وتأثيرها في نقل الإسلام عبر طريق الحرير، وسنرى قبوراً لطغاة في التاريخ، كهولاكو وجنكيز خان، وبقايا سلالاتهم، فردوا: «غير هذا..!»، قلت لهم: «أعرف السفير هنا، وسفيرنا هناك، ويمكنهما أن يجعلا من رحلتنا ميسرة، وذات فائدة إلى أقصى حد، ويمكن أن نتعمق في معرفة شعوب وتقاليد ذلك البلد، وهو بلد رخيص، وثمة أشياء تقليدية يمكن أن تشترى منه، والجو جميل في هذا الوقت». عددت لهم الرحلات المتوجهة، وساعات الإقلاع، وكم تستغرق الرحلة بالساعات، وفروق التوقيت، وأسماء الفنادق المقترحة ذات النجوم الخمس، وسهولة الحصول على الفيزا، اقتنعوا بالتسهيلات الشفوية، متمنياً أن لا تخيب جولات المدح، وتبسيط المعرفة عند الاصطدام بأول تعامل حقيقي مع الناس والخدمات، لأنك بما أنك المقترح لمثل هذه الرحلة، ستظل تحمل على ظهرك وزر أي خطأ أو هفوة، وعليك أن تعتذر لأصدقائك بأثر رجعي حتى لو ما أعجبهم أكل «شيف» الفندق الذي حاول جاهداً أن يرضيهم بأي شكل، المهم ذهبنا وقابلنا السفير، والرجل الثاني في السفارة، والملحق الثقافي، والتجاري، واثنين يبدوان من تمدد جسديهما أنهما مسؤولان مسؤولية مباشرة عن تأمين السفارة وطاقمها، إضافة إلى إرسال تقارير ليلية على الطريقة الروسية القديمة، والله بصراحة كان ترحيب السفير كبيراً، وكذلك القائمين على السفارة، وتم تبادل كثير من الحوارات ذات الاهتمام المشترك، ولقينا ترحيباً ووداً بزيارة بلدنا الثاني، فطلبنا استمارات الفيزا أو السمة، فكشر موظف من بعيد، وهمس في أذن السفير الذي نقل إلينا الهمس أن الموظف المختص بالأختام مسافر، وقافل على الأختام في درجة، فغاصت بي الأريكية مع نظرات صاعقة من الأصدقاء، فحاول السفير تلطيف الجو، واقترح علينا الملحق التجاري أن نستخرجها عن طريق مكتب في الشارقة، وأعطانا رقمه، فخطفته من يده، كمتبرع حينما رأيت تخاذلاً من الأصدقاء، شكرنا السفير وخرجنا، وانهالت عليّ الامتعاضات قبل خروجنا من عتبة حرم السفارة: «بالله عليك هاذيلا هالشكل هنا.. وين هناك؟»! amood8@alIttihad.ae