هل أنت مثقف، منتج للثقافة؟ هل أنت قارئ محب للكتاب والقراءة؟ إذن لا بد أن تكون لديك مكتبة في منزلك. فالكتاب مرجع مهم لتطورك الشخصي والمعرفي والعملي. لكن توقف قليلاً ودقّق في الكتب التي تتراكم. واحص معي: كم كتاباً عربي المصدر لديك في أنواع المعارف الإنسانية بتعددها؟ وكم كتاباً مترجماً إلى العربية في المعارف نفسها؟
إذا كان لديك خمسمائة كتاب باللغة العربية ستجد أن ما يقارب 90% منها مترجم، عن اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية. أما 10% فهي دواوين شعرية وروايات وقصص ومسرحيات لشعراء وروائيين عرب. ثم كتب في النقد والتاريخ والعلوم اعتمد كتّابها على مراجع أجنبية إما بلغاتها أو مترجمة. ثم بعض كتب التراث العربي الذي تخالط بعضها بالثقافة اليونانية والفارسية والهندية التي ترجمت إلى العربية في عصور حضارتها الإسلامية الأولى.
نستنتج من هذه الظاهرة أن الثقافة العربية منذ قرون وإلى اليوم هي إعادة إنتاج لثقافات الشعوب الأوروبية مع قليل من الخصوصية القومية والإبداع الذاتي. وليس في هذا ما يعيب، إذ أن ثقافات جميع الشعوب هي تناسج وإعادة إنتاج لثقافات مختلطة. والحضارات الإنسانية وثقافتها هي في الناتج العام حلقات متواصلة ومتداخلة في مسيرة الحضارة البشرية. وكلما ازدادت وسائل التواصل بين الشعوب ازداد التحام هذه الحلقات حتى يصعب معه معرفة خيط الخصوصية قي ثقافة أي مجتمع. فمنذ قديم الأزمنة كانت الأسفار والغزوات، هي الجسور التي انتقلت بواسطتها ثقافات الشعوب الأخرى مترجمة إلى العربية! فلماذا انقطع الكتاب المترجم من العربية إلى اللغات الأخرى؟
بالطبع نحن هنا لا نستطيع أن نلم بتفاصيل وأسباب هذا الانقطاع، لكننا نقول إن دواعي ترجمة الكتاب العربي إلى اللغات الأخرى اليوم أكثر أهمية ويسراً منه في العصور السابقة. فإذا لم تكن لدينا ثقافة ذات أهمية وخصوصية تحتاجها الشعوب، فإننا نعيش وضعاً تراجيدياً نحتاج معه لتضامن الشعوب وتفهمها، ونصرتها. ولا يمكن أن يتم ذلك بواسطة الشجب والاستنكار، ولا بواسطة الفتك والتدمير، لكننا نستطيع أن نبني صروحاً ثقافية عديدة بترجمة ثقافتنا الفكرية والإبداعية إلى لغات أكثر الشعوب، ولو بقدر أقل من المؤسسات التي تتهافت على الترجمة عن اللغات الأوروبية، في جميع المعارف.
إن الدليل على الذكاء والتحضر لا يكمن في ترجمة ثقافات الشعوب الأخرى إلى العربية فقط، بل بترجمة الثقافة العربية إلى لغات تلك الشعوب!