أنا أقول بصراحة لن يعتدل حال التعليم عندنا، وخاصة في المدارس الخاصة التي تكتظ بالطلبة، رغم أسعارها العالية، إلا إذا أكملوا كل الوظائف المتبقية في المدارس، وعينوا لها محاسبين، بدلاً من مربين ومعلمين ومدرسين، لأن التعليم لن يستقيم دون محاسبة، والتربية لن تجد طريقها لأبنائنا دون محاسبين، وبصراحة رضينا أن تكون مديرة المدرسة تخصص «محاسبة ومسك دفاتر»، ورضينا أن يكون وكيل المدرسة تخصص «تجارة عين شمس»، وقبلنا أن يكون حارس المدرسة محاسباً خريج جامعة بيشاور، ولأنه لم يجد فرصته، قرر أن يكون في وظيفة أمنية مؤقتة، راضياً بالهزيل حتى يدرك السمين، ويجد وظيفة محاسب، لقد غابت المعايير التربوية والأخلاقية والتعليمية، وحلّت بدلها المعايير التجارية والمفاهيم المحاسبية، حتى يقول لك؛ بدءاً من العام الدراسي القادم ستفرض المدارس الخاصة على طلبتها رسوم بدل نفايات، ورسوم بدل حمل هاتف نقّال، ورسوم بدل حضور حصص السبت، لمن لا يرغب من القبائل، وما أدري بعد، لكنها مثل هذه «الدعاسج»، المهم يظهرون فلوساً من أجل تشغيل صف المعلمين المحاسبين، والبعيدين عن التربية، القريبين من «التحصيل»، وصف المعلمات ذوات العلامات «المقبول»، والمجموع الذي لا يؤهل إلا إلى كليات التربية ومعاهد التعليم، طبعاً الجماعة لا يدرون عن تجربة اليابان التعليمية والتوعوية والتربوية، ولا يستوعبون طرق التعليم والتربية المتطورة للغاية في فنلندا، والدول الإسكندنافية، فما زلنا: «افتح الدفتر يا ولد، واكتب سطراً، واترك سطراً، وباعد بين الكلمات، ولا تنظر في دفتر زميلك» أو «حلّ الواجب ثلاث مرات، ولا تأتي للصف غداً إذا «ما جلّدت كتاب الرياضيات، ولا تنس الخميسية»! نحن لا ننكر أن قطاع التعليم دخل مرحلة الخصخصة من أجل تحسين التعليم، وتقديم التربية الراقية، ومن أجل استقطاب تجارب عالمية، مبشرة وواعدة، ورفد بها حركة التعليم عندنا، لكن هذه في الأول والآخر مدرسة، وليس «سوبر ماركت»، وصحيح أن من حق الجميع أن يتكسب، لكن ليس على حساب أولويات المجتمع، وأسس أركانه، وما يمكن أن يساهم في تقويض بنيانه، ولا يعمل تلك الحلقات الثلاث، إلا معلم محاسب، ومعلمة ذات معدل ضعيف، وتبحث عن شغل ليشغلها، ومدرسة لا تحمل رسالة التعليم النبيلة، ولا تدري عن شرف هذه المهنة، وحارس مدرسة رضي أن يشتغل بشهادة المحاسبة من بيشاور عامل حراسة - وهذه الأخيرة بصراحة من «عندياتي» ولا تدخل في صلب الموضوع، الموضوع وصلبه يلخصه السؤال التالي: ما هو الدور التاريخي والحاسم الذي لعبته «المحاسبة» في التعليم الإماراتي المعاصر؟