إذا استولى اليأس على النفس وتمكن وهيمن فإنه يحتاج إلى جيش جرار كي يطرده من أماكن استيطانه، ولكن كيف يحكم اليأس قبضته على النفس؟ إنه التاريخ الشخصي للأفراد وما مضى من تراكمات وحثالات ونفايات، هذه الرواسب تخوض معارك طاحنة من أجل تثبيت مخالبها في أغوار النفس واقتياد الشخص إلى مناطق داكنة، ساخنة، غضة، لا يستطيع النهوض والتخلص منها إلا بعمل شاق يقوم هو به بالتعاون مع مؤسسات مختصة في علاج الأمراض النفسية، ولكن بعض الأفراد لديهم دفاعات نفسية قديمة تحول دون الخلاص، وبالتالي لابد من تدخل من لديه القدرة على التدخل والمساعدة والمساندة ليصبح المجتمع بكامله معافى، مشافى من هذا الداء اللعين، ولا شيء مستحيلاً في الحياة، فطالما يوجد الأمل فلابد من الانتصار على كل ما يعرقل حركة الدم في الجسد ويوقف دورة الديناميكية في النفس، فلا أحد لم يمر بمنغصات في حياته ولا أحد لم تضربه شمس المحبطات، ولكن هناك الإرادة كما قال شوبنهور، فالإنسان بالإرادة يقهر المستحيل، ويعبر المحيط من دون تعب. المحبطون أجلوا العمل بالإرادة، وأناخوا بعير التفاؤل، واستراحت ركابهم عند مضاجع الليل البهيم، وباتوا منسلخين عن الواقع، مناوئين للحياة، مناهضين الفرح، وأصبحت الحياة في عيونهم دوائر ضيقة، مغلقة ولا فكاك من طوقها الحديدي، والمتفائلون يرون في الحياة منطقة خضراء معشوشبة زاهية، ولذلك فهم يرعون ركابهم في المناطق الخصبة من النفس، فلا يرون ما يعيقهم أو يعرقل خطاهم، فركابهم ومركباتهم تسير في الدرب الصحيح، ولا عزاء إلا للمحبطين. وهذا ما تفعله القيادة هنا في بلادنا عندما تتحدث عن استئناف الحضارة العربية لأنها واثقة من أن حب الحياة جدير بأن يفتح المسام كي يدخل النسيم إلى الجسد وكي تتفتح أزاهير العقل، وتنثر عطرها في الزمان والمكان ويصير الإنسان الحقيقة، كما ذكر بروتاغوراس، وكما أيده في ذلك فلاسفة عصر التنوير أمثال روسو وديكارت، نحن بحاجة إلى الإرادة فقط، ونستطيع من خلالها تجاوز زلات وهنات وهفوات من وقعوا في شراك الإحباط، نحن بحاجة إلى أحلامنا الغائبة فقط.