ما.. ماط.. مطعاا مطعااام ألع.. العززز (مطعم العز). با.. باقا.. باقااالت.. سرر... سرروور.. (بقالة سرور). هكذا تماماً كنت أتهجأ ما كُتب على لوحات المحلات التي نمر بجانبها، إنها اللحظات التي اكتشفت فيها للتو فك الكلمات، لقد بدت كل الأسماء ألغازاً مثيرة مُحرضة لفك شفرتها؛ وقتها عرفت رغم حداثتي، كم أن ذلك يسعد أبي ويبهج أمي بصغيرتهم التي بدأت تخط طريقها بحروف مقطوعة بطيئة.. ولكن بحماس كبير. لن يوقفها أحد عن فك تلك الشفرات. هل تذكرون تلك الأيام.. حسناً قد لا تذكرونها، ولكنكم بكل تأكيد ترون صغاركم يمضون على نفس الطريق، يفكون الكلمات بفرح وإصرار، ويلتقطون كل ما يقع بين أيديهم، يتنافسون في ذلك، يسعون إلى تلك البهجة فيك، يريدون سماع ضحكاتك وأنت مبهور بصنيعهم؛ هل كنت تعلم أن فخرك بهم كان سبباً رئيسا في استمرار تحديهم في فك شفرة الكلمات. أنا أكيدة أنك تعلم ذلك. ولكن ما الذي تغَّير الآن؟! أين ذهب الزهو الذي كان في عينيكَ عندما كُنت تُجلِس ذلك الصغير بجانبك وتُخبر أصدقاءك عن مغامراته مع الكلمات، وتضحك ملء فمك عندما يقلب الحروف! لماذا حل مكانه ضجر وملل ورغبة في التخلص من ذلك المسكين ومن كتابه الذي جاء به إليك، طامحاً في ضحكة ومكافأة صغيرة تؤكد له أنك ما زلت فخوراً وسعيداً به.. هذا كل ما كان يرغبه ليستمر في فك شفراته نحو الكلمات والصفحات والكتب! لماذا تحول زهوك أكبر بما جلبت له من ملابس وحذاء! لماذا أصبح تباهيكَ بصغيرتك أعظم بذلك الفستان الذي ألبستها إياه وبتلك الأصباغ على وجهها؟ لماذا غدت صورها التي تشاركينها صديقاتك على حسابات التواصل أهم منها ومن دهشتها بالكلمات وفرحها بالحروف! لماذا تحول ذلك الجمال في سعادتنا بما يملكه أطفالنا من مواهب، إلى التباهي بما نغدقه عليهم من طعام وملابس ونزهات! ألا يستحق الأمر وقفة؟! هل هناك أمل في بث الحياة في العلاقة الثلاثية التي جمعتك بطفلك منذ لحظاته الأولى بالقراءة؟ عندما أطلقت أبوظبي للإعلام الأسبوع الماضي مبادرة (أنا وطفلي وكتاب) لتصوير الأطفال وهم يقرؤون فقرة من كتاب ومن ثم دعم المقاطع التي نشرها أولياء الأمور عبر حساباتهم الإلكترونية -ضمن استراتيجيتها في تنفيذ قانون القراءة ومبادراتها لشهر مارس- أرادت إعادة الحياة لذلك الجمال، عبر توجيه زهونا بأطفالنا إلى مساره الصحيح، فلنجعل منهم نجوماً لوسائل التواصل الاجتماعي، ألا يحق للطفل أن يفخر بنفسه عندما يرى من يعجبون بصنيعه ويعيدون مشاركة لقطاته وهو يقرأ، وهو يفك رموز الكلمات ويستكشف المعلومة ويشارك بها الآخرين! هو استحقاق يتعداه إلى المجتمع الذي يمتلئ بالأطفال الذين يتابعون الغث ويتشاركون ما يفعله السفهاء ويقلدونهم. لعل في مبادرة كهذه فرصة لتشجيع كل طفل أن يكون نجماً يستحق الشهرة.. يستحق أن يكون نموذجاً للأطفال الآخرين.