مبرر لبسنا ذاك، منه أونّا مثقفين، ومنه أن صيفهم مش مثل صيفنا، والنسمة الباردة عندهم مثل الطهف عندنا، المهم اللي يشوفنا سارحين من الصبح بذيك البدل يقول: يمكن أنهم على موعد مستعجل مع أحد من أرباب صناعة السفن هناك أو أنهم سيتعاقدون مع كبير مصدري الخشب، المهم خطوات الكشافة ونحن بتلك البدل التي تلمع تحت شمسهم الخجولة، جعلنا نستحي، خاصة أن كل الذين يمرون علينا إما ركضاً بسروال قصير، وأجرد من فوق أو بفانيلة صيفية، لكن هناك ما أحد ينكر عليك شيئاً، حتى أنكرنا على أنفسنا، الناس بـ«شورت» وفانيلة خفيفة وقبعة، ونساء بثوب فلاحي مشجر ومورد، وخفيف قيس الصيف بس! ما زلت أتذكره حتى اليوم، ونحن في تلك الشوارع نذرعها ذراعاً وشبراً بأطقم اشتريت على عجل، وكأننا من مفتشي الأغذية في إحدى الجمعيات التعاونية، والتي تكون مهمتهم الأساسية البحث عن المعلبات منتهية الصلاحية، فأشار علينا أحد الأصدقاء أن نقلع عنا ملابس المدرسين الحازمين، ونلبس ملابس «هاواي وبانكوك» البحرية التي في الشنط من الصيف الماضي، خاصة أن برنامجنا سياحة بالمركب. وهي ظهرة واحدة، وهبت علينا ذيك المهب حتى تناقعت ضلوعنا، وتمينا من قهوة إلى قهوة، ونرضف على جلودنا الفانيلات ذات القياس الموحد، والمكتوب عليها عبارات لا نقدّر معناها، والتي تباع عادة للمصطافين في أكشاك بيع التذكارات، ما صدقنا نرد الفندق المغرب، إلا واحد يكح، وواحد يعطس، وأمضينا بقية الأيام في ذلك الصيف الإسكندنافي البارد ما مظهرين إلا خشومنا، وعيوننا التي تتهامل من الدمع، وبقينا ندعو على صاحب الشور النحس، فليتنا بقينا محترمين بتلك البدل البنية والرصاصية المخططة، ورضينا بالتشاور مع أصحاب شركة تصدير الأخشاب، أو مراجعة شركة بناء السفن. رجعنا من تلك البقعة وليس في أيدينا غير تذكارات من أقداح مرسوم عليها عوالم مدن غامضة، وفانيلات كثيرة ملونة اشتريناها للحاجة، وألوانها تشبه بالونات الأطفال، ولا تصلح للبس عندنا في البلد، وصور للشباب ما زال غضاً، ويرتجفون من البرد، بشعرهم الأسود الكثيف الذي كانوا يراهنون عليه أنه سيمشيهم في الدول الإسكندنافية، مقتل الشقراوات، عادوا، ولم يروا دول الشمال التي كانوا يحلمون بها، وبجمال نسائها الناري الملتهب، برز صاحب الشور العوف قائلاً: أصلاً نيتكم من الأصل نيّة عاطلة باطلة! ردد آخر: تدرون.. أعتقد أن هذا من مطاوعتنا الذين ما قدروا يجرونا لباكستان وبنجلاديش معهم أو ينيمونا في المساجد ثلاثة أيام بنية الخروج، تلقاهم دعوا علينا جزء عم وتبارك، وعقّونا أرضاً، ما في عيوننا قطرة!