- تعجب من أناس كانوا قبل دقائق خاشعين في المسجد، وبعد خروجهم منه بالرجل الشمال، ودعاء الخروج، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، يستحضرون سيرة شخص ويأتون بفحش القول، ومسبات الأهل، ثم يعرّجون نحو الحياة، وأنها أخت امرأة سيئة السمعة، معقول كانوا قبل دقائق ألسنتهم رطبة بذكر الله، والآن تتبرأ منهم ألسنتهم، وما اقترفت جوارحهم؟ حتى إن بعضاً من الجنسيات يتمادى، وأول ما يسب يسب الدين، وهو قبل قليل يتطهر من الرجس بالاقتراب من الدين وصلوات الشكر لرب الأديان.. مثل هؤلاء الناس حين يكون يومهم طويلاً ماذا يفعلون، وكم تقترف جوارحهم من ذنوب، اليوم أشد ما أمقت في الأمكنة العامة والشوارع أن يصدم الواحد بكلام جارح وسفيه ولعنات ومسبات تطال الأحياء قبل الأموات، وتمس سكان الأرض والسموات!
- هناك أشخاص مثل الجرذان قارضة، ومتطوعة لأن تكون مخبرة، ولو من دون أجر، لا يستطيعون أن يتطهروا من رجس النذالة والوساخة، ثَمّ انطفاء وانكفاء في الوجه، ولا يمكن أن يكون يوماً مسفراً، فرحاً، مستبشراً، فتلك أمور من حسنات الدنيا، وثواب فعل الخير، أول ما تراهم العين يشعرونك أن ثيابهم رطبة، ولَم تجف بشمس كافية، وأن وبرها بدأ في البروز، ورائحة أكل بارد عالقة في منازلهم، وأن السجاد الرخيص الذي يضعون تسكن تحته رطوبة دائمة، وإذا كانوا هكذا فمن أين تدخل النظافة لقلوبهم، وتترجمها ألسنتهم، لذا سيبقون مثل جرذان الجدران المتهالكة يتبعون ظلها الفاسد، ويتبعون ظل أناس شرفاء يغيظهم بياضهم النوراني، ونظافتهم اللامعة، فيتبرعون بتلويثهم مجاناً، معتقدين أن النجاسة قد تتساوى!
- ليس أجمل من صباح باريسي تنجو بنفسك فيه من كل أذى، ولا تنشد إلا الخير، وما قد يفرح الناس، ويدفعهم صوب الحياة، يأخذك ذاك الصباح نحو مقهى يحتل الرصيف، ويتقابل مع مكتبة قديمة، ما زال صاحبها يهرم وحده فيها، تنظر إليه فلا يوحي لك إلا أنه قرأ لنفسه، وقرأ عنك، وقرأ عن أناس كثيرين، مخزّناً المعرفة لمن يبتغيها، تظل تتأمل في المارين على ريث، وعلى عجل، تشرب قهوتك التي تتمناها أن لا تبرد ولا تنفد، تصطاد عطور النساء المسرعات، وشذا الصابون والماء الفاتر في الصباح، كطقس ما قبل الخروج، تشعر نهارها أن المدينة كلها لك، وأن خبراً جميلاً يتخبأ لك وعنك عند زوايا المنعطفات، ومرات تحت ظلال أوراق الخريف المشاغبة.. حلو أن يبدأ نهارك بالنجاة من الرجس!