تحت شرشف الغيمة، تنهمر القطرات ويأتي البلل، يكيل وجوداً بالطراوة والحلاوة، ويبدو قلبك المبلل، مثل أجنحة الطير، يبحث عن الدفء، ويسأل الله المزيد من القطرات، لأنك في جنون الغيمة النبيلة، ترتعش مثل الزعنفة، ترتشف مثل شفتين ناشفتين، تقف مكبلاً بالعشق، مثقلاً بأيامك وأحلامك، وقصيدة السياب «مطر.. مطر» تتذكر بغداد ودمشق وكل العواصم العربية، التي اغتصبها الجفاف فصارت عجفاء، رجفاء يمطرها الحقد أحمر الدم ويسقيها مرارة الرعب والتشريد والتجريد والتقديد. تحت ملاءة الغيمة، تحاول أن تغير رتابة المشاعر وتخرج من الأكفان والأحزان، لترسم على الأرض المبللة صورة طفل نشأ على الحب، ورضع من أثداء السماء الصاحية، معنى الإنسان عندما يكون إنساناً، عندما لا تتلبسه شياطين الكراهية.. تحت المطر، تستدعي أشياءك الصغيرة التي نسيتها في معطف الأيام، وتسحب من درج الذاكرة أيامك وأحلامك، وتستعيد بعض مقولات الأولين الذين وعدونا بأحلام العروبة، فإذا بها تصبح مثل دخان السجائر، مراً وأغبر، فترفع عينيك إلى السماء طالباً مزيداً من البلل، لعل وعسى أن يجدد ملابسك القديمة، أفكارك، أحلامك، آلامك. تحت المطر، تنظر إلى الطير، كيف ينقر الأرض لينتزع البذرة، ثم يطير لا يفكر في الأمس، ولا في الغد، إنه ابن اللحظة، ابن «أوشو» ملكة الزمان التي أخذت من الحياة ما يحيي ولا يميت، وما يجذب ولا يكرب، تقول هكذا، والقطرات تنث نثها، وتبث بثها، وتحث حثها، وتكث كثها، وتملؤك بالحنين إلى زمن «السعيدو» و«النبق»، ورائحة العشب، تحت طيات الرمل المندَّى، وتتشبث أنت بصورة أنثى لا زالت طفلة، تلهو في فناء القلب، لا زالت مشاغبة، ترسم على سبورة القلب وجه امرأة لا يكبر، وشعراً لا يشيخ، والحلم يسترسل في سرد التفاصيل، كأنها حبات المسبحة بين أصابع كاهن متعبد، ويهتف المطر، يطل عبر نافذة الغيمة كأنه عملاق تاريخي، عابر للذاكرة. وكأنك طفل يتلقف القطرات بيدين صافيتين من غير سوء. يهتف المطر، ويهتف قلبك، ويصحو العالم على نقاء غير مشهود. Ali.AbuAlReesh@alIttihad.ae