المكثرون من الرقص في أحلامهم، النائون بالقلب خطوة خطوة بعيداً عن حفلات الكدر. أولئك الذين إذا اقتربتْ النار من أحذيتهم، رشقوها بالقفز على المخاوف، وتعلقوا بغيمة، وتشبثوا بنجمة الأمل لتغسل لهم الدروب المظلمة. مع هؤلاء، يضمرُ عويلُ النائحين، وتُردمُ هوّة السقوط في ندم السنين. وإذا صادف أن جلس المغرور بينهم، يصيرُ لسانه مدحاً في فضيلة السكوت، وقد نراه يخلعُ الأنفة ويبدّلُ التبرم بالابتسام العذب. وإذا حدث أن دخل الوشاةُ بينهم، فإن كلامهم المدسوس يصير زبداً في بهجة الغناء، وكلماتهم المسمومة تتخثرُ في ميوعتها وتسيحُ في لُعاب الحسرة. وأنت، يا حامل الشمعة المطفأة وتفتش عن عود كبريت في الظلام، ألا ترى قمر الوضوح يشعُّ بدراً من جهة جلوسهم. ألا تسمعُ رنّة العود لا تزالُ عرساً منذ صدى سهرتهم البارحة. اذهب اليهم إن شئت زحفاً، فبينهم شعراء فلقوا الليل نصفين وزرعوا وردة الضوء في فم الغابة النائمة. وبينهم نحاتون خنقوا الهواء في أكياسٍ وأطلقوها قناديل ذكرياتٍ لا تنضب. ومن بينهم متوسدُ كتاب الحقيقة العارية، ومتعهدُ الجنون، وحارسُ الكلمات الصغيرة حتى تكبر، وطبّال الأمنيات. إنهم بالجوار قربك، ولكن من حولهم خفرٌ وغفرٌ وأسلاكٌ للعقل ومسامير على طول الطريق وجوقةُ نواطير وسربُ عسسٍ غلاظ. بالنسبة لهؤلاء، إذا لمستَ يوماً خيالاتهم الشاردة، المرأةُ ملاذٌ مطلق، الرجلُ غصن شقاء يتدلى قرب جُرف والهوّة من تحته بلا قرار. كل قدمٍ تدوسُ في المغامرة، تصيرُ خفقة جناحٍ وترفع صاحبها إلى شهقة النور. كل ترنيمة في العشق هي مولد ملاكٍ جديد. وكل قلمٍ يجري على بياضٍ هو طعنةٌ في خاصرة الموت. الحياةُ في شكلها الظاهر سبورة فراغ، لكنها في باطن معناها مجرد صخرة تتدحرجُ من جبل، ومجرد ورقة كُتب عليها اسمكَ وصارت تتناهبها الريحُ، وتقلّبها كما تشاء العاصفة. فإذا بحثت عن بابٍ يهرّب أحلامك إلى منتهاها، وإذا أفنيتَ عمرك تفتّش عن لغز فحواك، لن تجد الخلاص إلا في الكلمة المنطوقة بلسان أصلها، الكلمة التي يحفرها الشعراءُ خدشاً في جبين الكآبة، ويرسمها الفنان فأساً يشقُّ الضجر، وينطقها الحكماءُ على شكل صمتٍ في تأملاتهم البيضاء. إنها لعبة الإدراك بالقلب، إنه الانتماء إلى خفّة الوجود كي تستطيع حمل ثقلهُ. أن تفتح بابك في الصباح وتخرج قاصداً أن تلاحق الشمس، متعهداً أن لا ينالك يوماً غروبها. Adel.Khouzam@alIttihad.ae