ترفع الثقافة والحضارة الناس وترتقي بهم في سمو يفقهه العارفون. ففي لقاء جمعني بشخصية صحفية مرموقة، دار حوار عميق عن ما يدور حولنا من تحولات في التاريخ والجغرافيا. ومضى يسرد لي تحليلاته وتوقعاته، وكنت صادقة وصريحة معه عندما قلت له:«نعم ياسيدي، تتحدث عن الحضارة العربية ومنظومة ابن رشد و آرائه الفلسفية حول دور السياسة في تدبير شؤون المدينة ومفاهيم الحرية، والعدالة وحالات الحرب». فنظر حوله وقال:«بين ثنايا هذا الحشد من لا يستهان بجمالهن ولكني بالرغم مما حولي من جمال أبقى جباناً»، فضحكت لحنكته وقلت له:«يقول عمر الخيام يا رب هل يرضيك هذا الظمأ.. والماء ينساب أمامي زلال! *** تفعل الخير دوماً وتدعو إليه، وعندما جاء البلاء لم تحد عن سبيلها أو مبادئها وزادها ذلك عزماً،«أم أحمد» ضاعفت العزم والإيمان والدعاء. وفي ظهر يوم الخميس دخل الطبيب غرفتها، وقال لها بكل ثقة: لن نلمس قلبك الذي سيظل كبيراً وجميلاً ومؤمناً وبعيداً عن تدخلاتنا.. لقد استجاب الله لدعوات محبيك!، هز ذلك الخبر السار شباك قلبي، فانهمرت دمعة عبرت عن فرحة لا يضاهيها فرح، وقلت:« نعم، يفعل الخير المعجزات». وهذا هو عام الخير والبهجة والسعادة والإنسانية. *** تدهورت سيارة ابنها الشاب، إلا أنه ولله الحمد نجا. كان في غيبوبة حجبت عنه عالمنا، وإن علا صوت المقرئ في أذنيه. جلست أم محمد بجانب ابنها وفي يدها مسباح، وقالت لإحدى بناتها التي ما إن دخلت الغرفة بعد رحلة عمل، الحمد لله يا بنتي... طار الشر إن شاء الله. فدخلت ابنتها الثانية التي سألتها:«هاه...ذبحتوا؟ وجسمتوا اللحم والا بعدكم»، فقالت لها:«نعم، واللي الله قدرنا عليه»، فقالت الوالدة:«النعمة تدفع النقمة»، وماهي إلا دقائق حتى حرك ابنها يديه وململ رأسه وفتح عينيه. فرفعت أم محمد يديها إلى القبلة، وقالت: الحمد لله...طار الشر! *** للعارفين أقول، هناك من يسكن القمة، ويعي مفهوم السعادة جيداً، فهي كما ذكر أرسطو في مراتب السلوك الأخلاقية بأن مرتبة السعادة الحقة تتحقق بالتأمل أو التفكير العقلي الذي يرتكز على التأمل والعقل ونبش خباياه.