عندما تمر في الشارع، أو في زقاق، أو ناصية، أو حديقة، وتجد ذاك الأخضر يهفهف على جنبات الحياة، تتذكر من جعل بلادك حديقة غناء، تتذكر كيف كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يعتني بالشجرة، وكيف كان يرى في الشجرة، كما هو البريق في عيني غزالة، وكما هو التألق في وميض النجمة، وكما هو الرقراق في شلال النهر، وكما هو الحلم في عيني طفلة صغيرة وهي تزيل نعاس الليل من تحت جفنيها، وكما هي البراءة على صفحات وجه كائن عفوي، وكما التدفق في أبيات قصيدة عصماء، وكما الخلود في رمال الصحراء، وكما هي الشفافية على جناحي فراشة، طائرة في حديقة غناء، وكما هي الرهافة في أكمام زهرة يانعة، وكما هو الجلال في منظر الموجة الطالعة من أحشاء البحر، وكما هو الجمال في الصفاء الذي يجلل السماء الزرقاء، وكما هي الحشمة التي تكلل الغيمة، وهي تمر على وجنة امرأة جليلة.
كل ذلك يفعله الأخضر كما رَآه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح الجنات. الأخضر في بلادنا، شجرة ملأت الوجدان شاعرية، ألهمت الإنسان قدرة العيش بسماحة مع الآخر، من دون رواسب، ومن دون شوائب، لأنَّ ما في الأخضر سحر البقاء بنقاء، وصفاء سريرة، لأنَّ ما في الأخضر خلود الكائنات النبيلة، لأنَّ ما في الأخضر حلم الطير بالوفاء للوجود، لأنَّ ما في الأخضر مكانة، ورزانة، وحصانة، لأنَّ ما في الأخضر، نبض الأجنة وهي تبصر الحياة من غير قلق، ولأنَّ ما في الأخضر ذاكرة الشمس، وهي تدلي بأخبار النهار البهيج، ولأنَّ ما في الأخضر باقة السعادة، وهي تمتلك ألباب العشاق وهم يضمون الأشواق في بتلة وردة حالمة بوجود مخملي، وحياة زاهية، وعمر لا يبليه الألق.

لأنَّ ما في الأخضر توازى بما في قلب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من حب فاض في الكون حتى أصبح هذا الحب نهراً يطهر جلباب الحياة من بقع السواد. لأنَّ ما في الأخضر سجادة الفرح تفترشه حريراً، شفيفاً، رهيفاً، منيفاً، ترتفع به النفوس عن براثن التاريخ، وسوءاته المريعة.

لأنَّ ما في الأخضر، سكنات، تستهل بها الروح بداياتها في ولادة الحلم الجميل، والبوح الأصيل، النسق النبيل. لأنَّ ما في الأخضر من أغصان أشبه بأهداب الشمس، وهي تظلل الأرض بالبهاء، لأنَّ ما في الأخضر من حنان يغدق القلوب بفيض من طمأنينة، ويمنح الناس لغة البلاغة في التعاطي مع الآخر. لأنَّ ما في الأخضر مفردة هي الأبجدية الأولى في تقاسم رغد العيش، ورفاهية الخطاب. لأنَّ ما في الأخضر سر النشوء والارتقاء، لمخلوقات تصبو أن تكون منفتحة على الأفق من غير نواكب، لا عواقب.