السير على أرصفة المشاة ممتع ومبهج جداً. فالشوارع تحيط بها الأشجار الكبيرة والأرصفة تحيط بها الأزهار بتعدد ألوانها الجميلة وأنواعها التي لم أعرف أسماء أغلبها، أنا التي أحب الأشجار وافتتن بجمالها وأزرعها منذ كنت صبية. إلا أن بعض الأشجار الكبيرة التي تحيط بالشوارع لم أعرف أسماء أغلبها. فخطر لي أن أسال أحد المارة عن اسم إحدى الأشجار. وحين سألته باللغة الإنجليزية ابتسم معتذراً، لأنه لا يعرف اللغة التي سألته بها. فسألته بالإشارة إلى الشجرة، فرد علي باللغة الصينية التي لم أفهمها. هكذا يمر السائح حائراً حين يقف لشراء شيء من متجر أو ليتناول طعاماً من مطعم أو مقهى.
فالعاملون في المتاجر صينيون لا يتقنون اللغة الإنجليزية التي يظن أي سائح من أي دولة أجنبية أخرى أنه يستطيع أن يتفاهم معهم بها.
ففي المطاعم غير الصينية كالتركية أو الإسبانية مثلاً لا يوجد إلا نادل واحد يفهم القليل من اللغة الإنجليزية ومصحوبة بالإشارة طبعاً. وليست هذه الصعوبة في التعامل اللغوي مقصورة على نُدُل المطاعم والمقاهي، بل إنها في المتاجر وحتى الصيدليات.
إذ حدث أنني كنت أريد شراء دواء للسعال. فذهبت إلى الصيدلية وطلبت دواء للسعال باللغة الإنجليزية، فهزت الموظفة رأسها مبتسمة دلالة على عدم فهمها لطلبي. فاضطررت أن أكح أمامها. ابتسمت وهزت رأسها بالموافقة وأعطتني الدواء.
ولأني تعودت دائماً أن أقرأ تعليمات وصفة الدواء المرفقة به عادة، فعلت ذلك فلم أجد في الورقة سوى وصفة مكتوبة باللغة الصينية فقط! بينما في بلادنا تكتب الوصفة وتعليمات الدواء باللغتين الإنجليزية والعربية، حسب مصدر الدواء وشركة تصديره للدول العربية.
والصينيون وغيرهم من الجنسيات الأخرى الذين يعيشون في شنغهاى يتعلمون القليل من اللغة الإنجليزية لضرورة العمل المكلفين به فقط. أما نحن فقد أصبح تلقين اللغة الإنجليزية وتعليمها يبدأ من المهد والحضانة والروضة وعبر مسيرة التعليم كلها، حتى أصبحت بين أجيالنا الحديثة هي اللغة الأم عندنا.
وكمثال على هذا الرقي! حين يزورني أبنائي بصحبة بعض رفاقهم من العرب أو من جنسيات أخرى، فإن الأحاديث المطولة والمناقشات في أكثر الأمور بينهم، تتم باللغة الإنجليزية، مما يشعرني بالغربة بينهم. وحين اسأل أحد أبنائي عن شيء ما باللغة العربية، يقول لي هامساً: ماما.. تكلمي بالإنجليزية! هكذا تصبح اللغة العربية الفصحى التي أكتب بها، مجرد نقوش في كتاب تراثي.! أما العربية العامية فقد تضاءلت بين الأجيال الحديثة حتى اختفت في سطوة البلاغة الإنجليزية!!