في كتلة الجحيم التي يغط فيها العراق، نجد من يتحدث عن النعيم الديمقراطي الراهن، ورغم الحريق الهائل والبغض الطائفي إلا أن البعض يحلو له أن يغض الطرف وينصرف عما يجري فقط لتبرير إدانة الضمير وتمرير الموجات المؤلمة على ظهر أيديولوجيا فتكت بالأخضر واليابس، لا يستطيع هؤلاء الخروج من بؤرة النيران السابقة لأنهم أسسوا تغيير العراق لا على النهج الديمقراطي وإنما على أسس الأحزان التاريخية والصور الخرافية والوهمية التي زرعت في وجدان البعض من أجل استباحة السيادة وتحويل البلد إلى حقول مزروعة لاحتمالات أشنع وأفظع. موفق الربيعي المستشار السابق لعهد نوري المالكي يتحدث بتشفٍّ عن كل ما يتعلق بالنظام السابق، ويعتبر حقبة اليوم أكثر إنارة واستنارة مما سبق ولا ندري كيف تفعل الأحقاد عندما تستولي على وجدان الناس فتحولهم إلى عميان لا يرون أبعد من أخمص القدم. ما يتحدث به الربيعي ومن سواه أشبه بمن يقوم بإحراق نص أدبي كي يخفي هناته وزلاته ولا يبقي إلا على صورة ذهنية راسخة في عقله، لأن ما يحيق بالعراق هو أسوأ من ظلم فرد حاكم وأشنع من القهر والاستبداد بل ما يلم بالعراق هو تفكيك للجغرافيا وانتهاك للتاريخ وإعدام فوري للوجدان العراقي وتحويله إلى ذاكرة سوداوية محملة بكل أوزار الحقد ومائلة ميلاناً مزرياً باتجاه الإثنية والجهوية والطائفية المريبة والغريبة والعجيبة والرهيبة. عندما يتحول العراق بكل ما يختزنه من تاريخ وحضارة إلى «حشد شعبي» بقيادة الغرباء كما تساق الحملان الوديعة فإن القلب يتعظ والروح تنكسر والعقل يتفكر؛ لماذا يتحول الناس بين عشية وضحاها إلى كيانات هلامية لا ترى بالعين المجردة لكنها ضارة للغاية بالكيان الذي يضمها.. أمر يثير الأسى عندما يسمح شخص لنفسه بأن يعمي البصر والبصيرة ولا يرى في الوطن غير طائفة ولا يرى في الحلم غير بصيص ملون بالسواد الداكن ولا يرى في الديمقراطية غير التخلص من الآخر المختلف ولا يرى في الحرية غير العبث بوجدان الناس البسطاء.. أهذا هو العراق المنتظر كما هو المهدي المنتظر؟ أهذا هو العراق تخلص من رداء الخوف ليرتدي عباءة غامقة كما هي أجنحة الغربان، أهذا هو العراق بتراثه ومخزونه الثقافي يختزل إلى ساحة مستباحة للغث والرعث والعبث؟! أهذا هو العراق لا يملك من زاد الدنيا غير دموع الثكالى والأرامل والأيتام الذين يخرجون من بيوتهم صباحاً ولا يعرفون هل سيعودون أم لا؟! نعم هذا هو واقع الحال عندما تصبح الأهوال في نظر البعض بشائر خير.. هذا هو العراق من أُمة خالدة أشبعتنا وهماً إلى أَمة مستعبدة جرعتنا غماً.. هذا هو العراق ولكن ربما يصحو الضمير يوماً فالعراقيون جديرون بأن يتبوؤوا مكانهم الصحيح لأنهم أصل النخوة والصبوة.