شهدت الأيام القليلة الماضية تزامن بدء عام هجري جديد، وعام عبري جديد، وعام أرثوذكسي إثيوبي جديد، وفي مجتمعات مستقرة تضم أتباع الأديان السماوية الثلاث، تلمس الروعة والجمال الذي يضفيهم التسامح وحسن التعايش، فقد نقلت لنا الصور والأخبار مشاهد جميلة من الولايات المتحدة وإثيوبيا، وغيرهما من البلدان، يتبادل فيها الجيران التهاني والتمنيات الطيبة بكل ما هو خيّر وإنساني نبيل.
في منطقتنا، ومنذ نحو أربعين عاماً، تعاني مجتمعات عدة من الإرهاب والتطرف والعنف الذي أججته نزعات مذهبية وطائفية، منذ قيام نظام ملالي طهران الذي وجدت فيه العون والسند والداعم الأول والأكبر، وشاهدنا وباء المذهبية الذي فتك بتلك المجتمعات في العراق وسوريا ولبنان، وحاولوا تصديره للبحرين والكويت والمملكة العربية السعودية، إلا أن مخططاتهم الإرهابية باءت بالفشل.
اليوم في اليمن الشقيق الذي يعاني شعبه من ويلات المليشيات الحوثية الانقلابية الإيرانية، بعد أن انقلبت على مشروع بناء الدولة الاتحادية الجديدة التي اتفق عليها اليمنيون في حوارهم الوطني ومخرجاته، وأجمعوا على الانتقال السلمي والسلس للسلطة، وهو الاتفاق الذي رعته المبادرة الخليجية التي عبرت عن الحرص الكبير الذي توليه المملكة العربية السعودية الشقيقة والإمارات وشقيقاتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بخلاف صوت النشاز في الدوحة، على أمن واستقرار اليمن باعتباره العمق الاستراتيجي لبلدان المجلس.
لقد عمل الانقلابيون الحوثيون لدى بدء تحالفهم مع «ملالي طهران»، ومن معقلهم في صعدة، بصورة ممنهجة على طرد أبناء الطائفة اليهودية، وشنوا حرب إبادة شرسة على مواطنيهم السنة في مران، ومزقوا نسيج مئات السنين من التعايش والتسامح، قبل أن ينقلبوا على منظومة الحكم القائم، ويتبنوا «ولاية الفقيه»، على طريق تحقيق حلمهم بإقامة الدولة «السلالية».
الشاهد من كل تلك المشاهد والوقائع المؤلمة، كيف يؤدي غياب التسامح وحسن التعايش إلى هذه المآسي من حولنا، وأهمية غرسه في المجتمعات لضمان تحصينها من آفات وأوبئة الإقصاء والتطرف والانحراف الفكري الذي أفرز خوارج و«دواعش» العصر. وهو الأمر الذي تنبهت له مبكراً قيادة الإمارات، وأطلقت معه مبادرات متعددة، وكانت أول دولة في العالم تستحدث وزارة للتسامح، إلى جانب دعم إقامة منتدى السلم في المجتمعات المسلمة، ومجلس حكماء المسلمين، وشهدت ولادتهما عاصمتنا الحبيبة أبوظبي التي تمثل اليوم منارة شامخة، لنشر قيم المحبة والسلام والتسامح وحسن التعايش.