لم يكن الشر مرتبطاً يوماً بتاريخ محدد، ولا بجنس معين، ولا بمكان معين، غير أنه إذا ما انطلق من قمقمه، فلا يعود له بسهولة، وقد يمتد مع الوقت، ولأجيال متعاقبة، وتكون له تداعيات لا نعرف كيف ومتى تنتهي، فقنبلة واحدة يقوم برميها مجنون في مكان عام تحصد عشرات القتلى، قد تجر اللعنات على كل طائفته، ومن على دينه، ومن كان من جنسه، جماعة مدسوسة، ومشتراة بالمال من أجل التخريب، وزرع الفتنة والشر، تخطف طائرة مدنية أو تفجر زفافاً أو حافلة سياحية أو فندقاً، فتجلب كل الشر إلى من تنتمي، وعادة الشر يترك صوراً نمطية إن التصقت بشعب، فلا يمكن محوها، خاصة أن الشعوب الأخرى تزيد عليها، وتبالغ فيها حتى تختلط الحقيقة بالأكاذيب.
لقد تكبد الشعب الياباني الكثير لكي يمحو عنه صورة الشر التي التصقت به حين كان مستعمراً، وحين أراد التمدد الجغرافي على حساب تاريخ الشعوب، وحين هاجم أميركا، فكلفه ثمن الشر ذاك، قنبلتان نوويتان، وإعلان الاستسلام، وهو أمر مهين عند كل الناس، ولكنّ اليابانيين يبالغون فيه لحد يصل بقر البطون، كذلك تم منعه من بناء جيش أو حتى تكون له وزارة للدفاع، وجعلوا مسألة الدفاع عنه رهن الدول المنتصرة، كذلك احتاج اليابانيون سنوات طويلة مستخدمين هذه المرة قوى ناعمة لإزالة صورتهم الشريرة والتي رسختها السينما الهوليوودية، منها حفلات الشاي وطقوسه اليابانية، ترتيب الزهور وتنسيقها، نشر الفن الياباني وتراثه في دول كثيرة في العالم من خلال المهرجانات والحفلات الفنية والمسرح «الكابوكي»، بعدها مهد للتكنولوجيا وأدواتها المختلفة وسهل وصولها، ورخصّ أسعارها لتصل لِيَد كل الناس في مختلف دول العالم الذي عرف يابان أخرى غير تلك التي تقف وراء جيوش زاحفة.
العرب والمسلمون التصق بهم الإرهاب، وقوى الشر بعد الحادي عشر من سبتمبر بصورة واضحة، فتغيرت صورة العربي المحب للنساء والجنس، الرجل السمين الشره الذي يربض عند خيمته سيارة «رولز رويس» وجملاً، وبرميل بترول إلى رجل ملتح بعمامة، مدجج بالسلاح والقنابل، وفِي عينيه نظرة شر، وحب للقتل والتفجير، لكن نحن العرب لم نستطع أن نمحو الصورة القديمة المعبرة عن الجنس والمال والمستمدة من قصص ألف ليلة وليلة، ولا الصورة الجديدة، المستندة إلى الهيئة الأفغانية، صورة الشر والإرهاب والتزمت، ولَم نحاول خلق صورة مختلفة عن الصور النمطية، كما فعل اليابانيون، وتركنا الصور النمطية تتراكم، وتثقل نظرة الآخر للعرب.
لقد لعبت السياسات، والعبث بالخرائط «الجيو بولتيك»، والأطماع الاقتصادية، في خلق شر من نوع آخر ساد في العالم، خاصة مناطق أو بؤر التوتر، مثل شرارة الحرب الأهلية والحروب الانفصالية والتطهير العرقي والتوزيع المناطقي على الطوائف والأقليات، والتصدير الثوري.
لقد هدم الشر والشيطان البرجين اللذين يمثلان هياكل الرأسمالية، ومعابد المال، فأطلق الإرهاب يطوف العالم من دون أب شرعي يُعرف به، ولا أم واحدة حاضنة له!