إدلب التي تحتضن ثلاثة ملايين سوري، تعيش الآن بين المطرقة والسندان، النظام يحشد آلته الحربية بمساندة روسية إيرانية، والإرهاب يسن سكاكينه والعزل تحت رحمة من لا يرحم، والعالم لا يزال يهدد ويتوعد كسابق إنذاراته التي لم يجف حبرها بعد.
كل ذلك يحدث والعرب يسجلون غياباً مزرياً كعادتهم في كل الأحداث التي ترتبط بمصير الإنسان، والوطن في هذه المنطقة التي ابتليت بأجندة إيرانية فجة، ومخزية. مصافحة وزير الخارجية الإيراني «ظريف» لرئيس النظام السوري توحي وكأن الأول يقول للثاني لا عليك، أفعل ما تشاء، فنحن حاضرون، وإخوتك غائبون، والعالم يتكلم. والثكلى السورية تصرخ وا معتصماه، وصوتها يذهب في العراء العربي، ولا يصطدم إلا في الفراغ الوسيع الذي سببه هذا الغياب المخيف، ونحن نتصور، حال اليمن، ونقول لولا تدخل الشرفاء من الإمارات والسعودية في اللحظة الحاسمة، لكان حال اليمن، لن يكون أحسن حالاً من أخته سوريا، فباقي العرب لا زالوا يصففون جدائل أجنداتهم الخاصة، ويحسبون الربح والخسارة في أي قضية لا تحتمل الحسابات الضيقة.
الحوثيون لم يحسبوا حساب هبة الحزم التي زلزلت كيانهم وظنوا أن الأمور ستمر كما مرت أمور سوريا، عندما صور لهم الإيرانيون ذلك، واليوم وهم يلفظون الأنفاس، ويهرطقون، ويتمطقون، ويقطعون سبيل الحقيقة، يعضون أصابع الندم على فعل شنيع ارتكبوه عندما استمعوا لوساوس الشيطان، وذهبوا إلى أبعد من حدود العقل، وإلى أقرب من نواصي الوهم، يجدون أنفسهم في نار الفجيعة وعند هاوية النهايات القصوى، وهذا الدرس يعطينا مساحة للتأمل في المشهد السوري الذي قضمت أظافره مقصات الوهم الإيراني، وقصمت ظهره سكاكين الدولة الإرهابية ذات الخيال الخرافي، ولم يعد أمام المواطن السوري المغلوب على أمره سوى الصبر والسلوان، لأن سوريا ما عادت سوى قطعة حلوى جافة من سمن الإغراءات، ولم يبق من تضاريسها سوى الأرض المحروقة، وأكباد الثكالى المأكولة، وعيون الأطفال التي جف منها بريق الأمل، ورجال باتوا يعجنون الرمل ليملأوا أفواه الجياع، ويسكتوا صياح المرتجفين رعباً جراء النيران المتصادمة والصواريخ المتلاطمة فوق رؤوسهم.
سوريا سلة غذاء خاوية تباع في أسواق موسكو، وطهران، وأنقرة، والنظام يتربع على اللوح اللا محفوظ، وقد لا نجد لا الأسد ولا سوريا، وهذا حال من يرهن نفسه للذئاب، ويتوه في غابة اللا غالب واللا مغلوب، ولا تخسر إلا الأشجار التي يطيح بها الصراع العبثي وتبدو أغصانها عصياً، وهراوات، للأيدي الخبيثة.