لماذا يغار الناس؟ سؤال طرحته على أم خالد التي أجابتني قائلة: «الغيرة تُعبر عن الحب، أحياناً» فسألتها باندهاش: «وهل كل من يحبنا يغار علينا؟» وقبل أن تجيبني أجبت سؤالي بنفسي؛ يا أم خالد الغيرة شيء جميل إن كانت ترتبط بحب الوطن والدفاع عنه وصونه من العبث والتلف، ولكني أتحدث على المستوى الشخصي عندما تكون الغيرة سيطرة واستحواذاً. وقد صنفها الباحثون في هذه الحالات على أنها من الأمراض النفسية. ففي مناحي الحياة المختلفة هناك من تقتله الغيرة وتحرقه نارها لأنه لا يعرف الحب ولكنه يريد ما لم يهبه الله له من حب الناس ومودتهم.
***
كثيرة، متفاوتة ومتناثرة هموم البشر ويقيني أن الغيرة مثل العنصرية تلدها حياة الرفاه؛ صراع البقاء يعيد البشر إلى طبيعتهم فيتقاسمون الموارد وتفاصيل الحياة بتكاتف وتوازن وتعاون وتُشعل الغيرة نارها عندما تتوافر الأشياء ليصارع المرء ذاته والآخرين بحثاً عن التميز والتملك. تطرق ابن خلدون لذلك في مقدمته عندما قال إنه عندما أكل العرب الإبل أخذوا منها الغيرة والغلظة، وهذا لا يترك مجالاً للشك لدي إذ طلب مني طبيب وخز الإبر الصينية عدم تناول لحم الإبل لأنه ينعكس سلباً على كيمياء تكويني. الحب لدي يطغى على كل شيء لتبقى الحياة جميلة بالمشاركة والتشارك بعيداً عن الحقد والحسد والغيرة.
***
سألتني أم خالد: «دكتورة، هناك ظاهرة غير منطقية وأتساءل عن تركيبتها؛ هل من الممكن أن يغار المدير من أحد موظفيه؟» وقفت على باب هذا السؤال كثيراً لأني مقتنعة وكلي إيمان بأن القائد الحقيقي والمعطاء هو من يصنع من فريق عمله قادة، فهو لا يكلبش نفسه في كرسي ويخاف من ذلك اليوم الذي تُقلب فيه الموازين. باختصار يا أم خالد قولي لذلك المدير وأتباعه يومكم آتٍ لا محالة وحينها لن يجاملكم أو يغار منكم أحد.
***
للعارفين أقول، الغيرة مرض يمارسه الفقراء وأهل المحن الذين تعمي قلوبهم ألسنة نارها، ولعلهم لم يقرؤوا ما قاله جلال الدين الرومي عن حقيقة وطبيعة وذات الحب «إذا كنت تريد المال أكثر من أي شيء آخر، فلسوف تُباع وتُشترى، وإذا كنت شرهاً في الطعام فلست سوى قطعة رغيف. إنها حقيقة ماكرة: أنت من تُحب»!