تقوم الدنيا وتقعد عندنا، حين يتم استبعاد لاعب مهم - وأحياناً غير مهم - من قائمة المنتخب أو أي فريق، ويتبارى المدافعون والمنتقدون في توجيه سهامهم إلى المدرب الذي يتحمل هو أيضاً حصاد نتائجه أياً كانت، وعلى الرغم مما نروجه ونتشدق به من أن المدرب هو صاحب الرأي الفني الأول والأخير، إلا أننا دائماً نتحول إلى خبراء، ولا يسلم مدرب أياً كان من نتيجة قراراته.
لا يتوقف الأمر علينا، لكن اللاعب المستبعد ذاته لا يتوقف عن الغمز واللمز والحديث صراحة أيضاً عن مشكلة المدرب معه، ومحاباته لبعض اللاعبين، ويتدخل في القرارات الفنية، فيبدي دهشته من هذا القرار أو ذاك أو من طريقة اللعب.. باختصار لدينا لا تعرف أحياناً من يدير ومن يدرب، فتتداخل الاختصاصات وتمضي الأمور دون محددات.
في أوروبا الأمر مختلف تماماً.. هم كما هم في حياتهم العامة.. محددون.. يمتازون بالدقة والمواجهة، وحتى كلامهم أكثر انضباطاً وتأثيراً منا، ولعل معاناة سانيه أفضل لاعب شاب في البريميرليج مع اللعب كأساسي في الفترة الأخيرة، نموذج حي ودليل واقعي على الفجوة التي تفصل بيننا وبينهم.
سانيه صاحب المهارات والقوة البدنية، كل مشكلته أنه ليس منضبطاً كما يجب في التدريبات، ودفع ثمن ذلك باهظاً حين تم استبعاده من قائمة ألمانيا في المونديال الأخير، لكنه انصاع لقرار مدربه، وأيضاً مدربه لوف، قدر فيه احترامه لرؤية الجهاز الفني وأعاده لقائمة المنتخب منذ أيام.
لم يكن لوف وحده هو من عاقب سانيه، فقد استبعده جوارديولا صانع مجده، من قائمة «المان سيتي» في المباراة الأخيرة أمام نيوكاسل، ووضعه قبلها ثلاث مباريات على قائمة البدلاء، دون أن يرضخ لتساؤلات واستفزازات الإعلام، مكتفياً بالتأكيد على أن ما يفعله إنما هي «خيارات تكتيكية»، وأيضاً انصاع ساني، والأهم أن الرسالة التي أرادها جوارديولا وصلت للجميع، فلا مكان مضموناً لأحد، كما أن الجميع وبحكم أنهم في مانشستر سيتي، من المفترض أنهم أصحاب قدرات تليق بناديهم، وبالتالي يبقى الفيصل للعطاء وليس للأسماء.
هكذا يجب أن يكون التعامل.. أن يحترم كل طرف اختصاصاته، فيبذل أقصى ما يستطيع فيها، وألا يسطو على اختصاصات الآخر، دونما «فلسفة» أو شعارات، فالكرة والإبداع لا يحتملان إلا العطاء، وبهذا الاحترام المتبادل، يتحول العقاب إلى درس وفائدة يجني ثمارها اللاعب نفسه.
ليتنا نتعلم هنا كيف ندير أنفسنا وكيف ندرك -وهو الأهم- أننا جزء من الصورة ولسنا كل الصورة.. كثير من المدربين هنا أحرقهم لاعبون وكتبوا نهاية مشوارهم التدريبي، وهنا في الوطن العربي أيضاً قد يسيطر اللاعب النجم، فيصبح هو المدرب وهو الإداري.. هنا نتابع حكاية مثل سانيه مع لوف وجوادريولا، وكأنها من مشاهدات رواد الفضاء.
كلمة أخيرة:
تحدث الإنجازات.. حين لا تتداخل الاختصاصات