من السهل جداً أن تذهب الإمارات إلى أفضل الشركات العالمية، لتزويدها بقمر صناعي، ينطلق إلى الفضاء، كما فعلت دول أخرى في المنطقة، فشراء التكنولوجيا الجاهزة بات متاحاً للبلدان الغنية الأكثر استهلاكاً، والأقل إنتاجاً.
الإمارات اختارت الطريق الأكثر صعوبة وتحدياً، وآمنت بمواطنها؛ ثروتها الأساسية، واستثمرت في علوم الفضاء، حتى امتلكت جيلاً من العلماء الشباب، يستعدُّ الآن، ليشهد الشهر المقبل، انطلاق القمر الذي صنعه في بلاده.
«خليفة سات» أول قمر صناعي يُطوره علماء إماراتيون، وهذه هي المعرفة التي لا يمكن شراؤها من الأسواق العالمية لمرة واحدة. فقد بات لدينا جيل من المهندسين والخبراء الذين لا يقلون علماً عن نظرائهم في العالم المتقدم، فنحن جزء منه، نساهم معه في برامج الفضاء، ونُضيف لصناعته، ونستطيع أن نقول لبلد مثل اليابان، يساعدنا في إطلاق «خليفة سات» من مركز تانيغاشيما الفضائي في 29 أكتوبر المقبل، إن هذا «القمر إماراتي»، وإننا دولة تأسست قبل 47 عاماً فقط، وقطعت المراحل والعقود حتى نجح أبناؤها وبناتها في تطوير قمر صناعي، يُضيف اسم بلادنا إلى قائمة الدول التي تمتلك برامج للفضاء، وهدفنا القادم المريخ.
ثقة القيادة بالإماراتيين في المدار نفسه الذي سيصله «خليفة سات»، فالتعليم كان ولا يزال الهاجس الأول، ولَم تُدّخر جهود ولا رعاية ولا متابعة ولا إنفاق في سبيل تعليم الشباب، وابتعاثهم إلى أفضل الجامعات العالمية، وكلنا يعرف أن قيادتنا آمنت دائماً بأن المدرسة الممتازة تفتح أبواباً إلى المختبرات والعلوم ومصادر المعرفة، فكان لها ما أرادت، فأعلنت أن شبابها عازمون على ارتياد الفضاء.
هزاع المنصوري وسلطان النيادي اختارتهما الدولة ليكونا رائدي فضاء، بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس»، واللافت أن اختيارهما جاء من بين 4000 مواطن تقدموا للفوز بالمهمة، وهذا الرقم مفرح بحدّ ذاته، ويرفع من مستوى طموحنا في علوم المستقبل، فالأجيال الجديدة من «عيال زايد» تجني مكاسب الاستثمار الضخم في التعليم والابتكار، وأصبحت مؤهلة لتطوير الأقمار الصناعية، وارتياد الفضاء.
إنها ثمار الرؤية الدقيقة، فهزاع المنصوري درس الطيران العسكري في كليــة خليفــة بــن زايــد الجويــة، وهذا نجاح للتعليم الإماراتي، مثلما كانت سياسة الابتعاث ضرورية، وساهمت في اختيار سلطان النيادي رائدَ فضاء، بعد حصوله على الدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات من أستراليا.
ويستمر عزم الإمارات دون حدود، ولا ننسى أنّ موعدنا المريخ بعد ثلاث سنوات فقط..